مثل رحيل الفنان اليمني علي عنبة فاجعة هزت الوسط الفني في اليمن لتكشف حجم المأساة التي يتعرض لها الفنانون في المناطق المختطفة من قِبل مليشيا الحوثي الإرهابية.

وكشف رحيل عنبة في العاصمة المصرية القاهرة بعيدًا عن بلاده، وجمهوره الذي عشق لونه الغنائي الشعبي الذي انفرد به طيلة مسيرته الغنائية، عن سياسة مليشيا الحوثي الممنهجة ضد الفن والفنانين وكل ما يبهج المواطن اليمني.

- التنكيل بالفن سياسة ممنهجة

يُعد التنكيل بالفن سياسة حوثية مستلهمة من أسلافها الإماميين، ترى في الأغاني الشعبية والوطنية عاملًا يهدم الخرافات التي تسوقها ولا تجد طريقها إلى أسماع اليمنيين.

لذلك، دأبت منذ بداية انقلابها على القمع والتضييق على الفنانين عبر إجراءات قوضت أنشطتهم الفنية وصولًا إلى تقييد عمل الفنانين في الأعراس وتحديد ما يجب وما لا يجب فيها.

علي عنبة اختار أن ينجو بصوته وأسرته إلى القاهرة بعد أن سُدت في وجهه نوافذ العدالة وتحولت الساحة الفنية في صنعاء ومناطق سيطرة المليشيا إلى فضاء خانق تحكمه العقيدة المليشاوية لا الذائقة.

ولم يكن الفنان علي عنبة الوحيد الذي فر من بطش المليشيا، حيث سبقه الكثير من الفنانين الذين نجوا بأنفسهم وحياتهم من سطوة وظلم المليشيا واستقروا بعيدًا عن منازلهم وأملاكهم سواء في المناطق المحررة أو في بلدان أخرى.

وسبق أن اختطفت مليشيا الحوثي العديد من الفنانين في محافظات صنعاء وصعدة وعمران والحديدة، لتظهر أنها عدوة للفن والسلام.

وتقوم المليشيا بمداهمة قاعات الأعراس واختطاف الفنانين والزج بهم في السجون، بتهمة منع الغناء في المناسبات بمناطق سيطرتها، لتجبر الحاضرين على تشغيل أناشيد طائفية تحث على التطرف وتمجد زعيم المليشيا وتحرض على الحرب ضد اليمنيين.

- الهروب وسيلة النجاة

يقول الإعلامي معتصم الجلال لـ"وكالة 2ديسمبر "، إن الفنان علي عنبه مثل غيره من زملائه الفنانين تقطعت بهم سبل العيش في المناطق المنكوبة بسيطرة المليشيا، لكن عنبة ربما عانى الأمرّين، فقد عمله ولم يتم إنصافه في المحاكم الحوثية التي أخذت دور الظالم المفتري على المواطنين.

وأضاف الجلال أن الهروب من المناطق المنكوبة بالمليشيا كانت الوسيلة الوحيدة لعنبة وفنانين كثر وجدوا في المحافظات المحررة وخارج البلاد ملاذا آمنًا لاستمرار إبداعهم الذي هو جزء من الهوية اليمنية.

لكن، ومع هذا لا تكاد المصاعب تخلو وقسوة الحياة ترافق هذا المشوار الصعب، ترك الديار والمجتمع ليس بالأمر الهين، إذ خلف غصة لدى هؤلاء الفنانين حتى أودى بحياة علي عنبة خارج البلاد فلا هو من أُنصف ولا هو من عاش بقية حياته دون غربة عن الوطن.

- الحوثي يخنق الفن

من جهته يقول الصحفي والناشط المجتمعي محمد الصلاحي؛ إن ما حدث مع الفنان علي عنبة ليس مجرد قصة هروب فردي، بل تجسيد مأساوي لواقع يخنق الفن ويجرّم الإبداع في مناطق سيطرة الحوثيين.

ويضيف الصلاحي خلال حديثه لـ"وكالة 2ديسمبر"، أن الفنان حين يُستدعى إلى المحكمة لا ليُكرم بل ليُدان على شيء يعتبر حقًا إنسانيًا وأخلاقيًا نكون أمام سلطة تخاف من الأغنية أكثر مما تخاف من الرصاص.

ويؤكد أن ما يعيشه الفنانون اليوم يعيد إلى الذاكرة حقبة الإمامة حين كانت الأغنية جريمة والموسيقى حرام تمنع نزول المطر وتهلك الزرع حسب رواية أجداد أئمة اليوم، حيث إن الفرق الوحيد أن الزمن تغير لكن العقلية التي تكره الجمال ذاتها.

الجدير ذكره أن خروج الفنانين من المناطق المنكوبة بالحوثي إلى مناطق المحررة أو الخارج ليس نزوحًا ترفهيًا بل هروب من اغتيال معنوي يمارس ضدهم يوميًا.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية