صانع الفجر في سماء اليمن
في أحضان قرية صغيرة تكسوها جبال محافظة إب الخضراء، وتحديدًا في مديرية السدة، وُلِد علي محمد عبدالمغني، محاطًا بثراء الطبيعة وبساطة الحياة القروية.. منذ صغره، كان يُلحظ فيه ما لم يكن في أقرانه: قوة إرادة تتحدى الواقع، وعينان تنظران إلى الأفق البعيد حيث الحرية.. كان يسمع حكايات الجبال والوديان عن شعبٍ مظلوم، وعن إمامة مستبدة أحكمت قبضتها على الأرض والروح معًا.
كبر علي بين الصفوف الدراسية وطرقات القرية الترابية، يحمل قلبه مفتوحًا لكل همس عن العدالة. وعندما التحق بالكلية الحربية، لم يكن مجرد طالب يسعى لمهنة عسكرية، بل كان صانعًا للأفكار، جامعًا بين الشجاعة والانضباط، يخطط لليمن الذي يريده شعبه: حرًا، كرامته مصونة، ومستقبله مشرقًا.. هناك، التقى بزملاء ذوي توجهات مختلفة لكن قلب علي جمعهم جميعًا في مسعى واحد: الثورة ضد الظلم والإمامة الفاسدة.
تأسس تنظيم الضباط الأحرار في ديسمبر 1961، وكان علي من أبرز المؤسسين.. لم يقتصر دوره على التخطيط، بل كان كاتبًا للبيانات، وصانع الأهداف، وموصل الرسائل، وساهرًا على أمن التنظيم وسريته.. وفي يوليو 1962، سافر إلى مصر، حيث التقى بالرئيس جمال عبد الناصر، واستلهم دعمه للثورة اليمنية، ليعود بعد ذلك إلى بلده مليئًا بالعزم والإصرار.
عندما اندلعت الثورة في السادس والعشرين من سبتمبر 1962، كان علي على رأس الصفوف، يجمع بين الذكاء العسكري والشجاعة التي لا تلين.. كتب بيانات الثورة، وضع أهدافها، نسج شبكة النصر بين الضباط والمشايخ، وجعل من إرادته سيفًا يقطع الظلم.. وجه الضباط والمشايخ إلى مواجهة الحرس الملكي، وكان من أوائل من دفعوا ثمن حريتهم.. وبين أصوات المدافع وانفجارات الحرية، سقط علي شهيدًا في أكتوبر من نفس العام، لكن روحه لم تمت، بل استمرت في كل قلب يمني يرفض الاستسلام للظلم، وكل يد تمتد للحرية.
علي عبدالمغني لم يكن مجرد ضابط، بل كان رمزًا للثورة اليمنية، مهندس الفجر الجديد، صانع الأمل الذي علّم اليمنيين أن الشجاعة ليست خيارًا، بل مصير.. واليوم، بين جبال اليمن ووديانه ومدنه وقراه، تتردد صرخات علي عبدالمغني في كل نفس حر، كأن روحه تحرس الوطن من جديد.. كل حجر وكل نهر يشهد على تضحياته، ويذكّر الشعب أن الحرية ليست هبة تُمنح، بل حق يُنتزع. وإن حاولت الإمامة البائدة العودة إلى الحياة عبر أقنعة الحوثي التابع لإيران، فسيعلو صوت الشعب، مستلهمًا من فجر سبتمبر، متحديًا ومستصرخًا: "لن نستسلم أبدًا".