بينما يواجه الاقتصاد اليمني واحدة من أصعب مراحله جراء انقلاب مليشيا الحوثي الإرهابية وتداعياته، جاء الدعم السعودي الأخير المقدم عبر برنامج إعمار اليمن، والبالغ مليارًا وثلاثمائة وثمانين مليون ريال سعودي، كدفعة عاجلة لتخفيف الضغوط على المالية العامة، ودعم استقرار العملة الوطنية بشكل نسبي، بما ينعكس على توازن الأسعار ويمنح الأسواق قدراً من الاطمئنان المرحلي.

ويُتوقع أن يسهم هذا الدعم في تعزيز موقف البنك المركزي اليمني، من خلال توفير غطاء نقدي يساعد على الحد من تذبذب أسعار الصرف. فالعملة الوطنية عانت خلال الأشهر الماضية من ضغوط شديدة بفعل المضاربات وارتفاع الطلب على النقد الأجنبي، ما انعكس مباشرة على الأسعار في الأسواق المحلية. ومع هذا الدعم، تتوفر فرصة لتمديد حالة الاستقرار النسبي ومنع الانزلاقات الحادة التي اعتاد الشارع اليمني على مواجهتها.

على المستوى المعيشي، يمثل استقرار سعر الصرف انعكاسًا مباشرًا على أسعار السلع الأساسية، إذ يخفف من الضغوط التضخمية التي طالت احتياجات المواطنين اليومية. كما أن المساهمة السعودية في دعم المشتقات النفطية من شأنها تقليص كلفة إنتاج ونقل السلع، وتخفيف أزمة الكهرباء التي تمثل عبئًا إضافيًا على الأسر والقطاع الخاص على حد سواء.

ورغم أن قيمة الدعم تبقى محدودة مقارنة بحجم التحديات الاقتصادية، إلا أن أهميته تكمن في أثره النفسي والسياسي، إذ يعزز الثقة بالعملة الوطنية ويمنح الأسواق قدرًا من الاطمئنان المرحلي. كما أن استمرارية هذا النوع من الدعم، في إطار شراكة مؤسسية عبر "برنامج إعمار اليمن"، تفتح المجال أمام استثمارات ومساعدات أخرى قد تسهم بشكل أكبر في دعم مسار الاستقرار الاقتصادي مستقبلاً.

الانعكاس الأول لهذا الدعم يظهر في سوق الصرف، حيث عزز من حالة الثقة بالعملة الوطنية، وساهم في تثبيت سعرها مقابل العملات الأجنبية. فالبنك المركزي في عدن تمكن خلال الفترة الماضية من فرض استقرار نسبي في سعر الصرف، لكن هذا الاستقرار كان هشًا، ويعتمد على إجراءات إدارية ورقابية أكثر من اعتماده على قاعدة نقدية قوية.

الدكتور محمد المفلحي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن، يرى أن "الدعم السعودي الأخير لا يمثل مجرد ضخ مالي قصير الأمد، بل هو مظلة استقرار للعملة اليمنية في الأجلين القصير والمتوسط".

ويضيف المفلحي، في تصريح لوكالة 2 ديسمبر: "تعزيز احتياطيات البنك المركزي سيمنحه قدرة أكبر على التدخل في السوق، وتغطية فاتورة الاستيراد الأساسية، وبالتالي تجنب الانزلاقات الحادة في سعر الصرف التي انعكست سابقًا بشكل مباشر على أسعار السلع الغذائية والدوائية".

الأثر المعيشي المباشر

بالنسبة للمواطن اليمني، فإن الدعم السعودي يحمل أثرًا مباشرًا على الحياة اليومية، فاستقرار سعر الصرف يعني كبح جماح التضخم، والحد من الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية والوقود. كما أن الدعم المخصص للمشتقات النفطية سيخفف من أزمة الكهرباء والنقل، ما ينعكس على كلفة المعيشة والإنتاج معًا.

ويؤكد الدكتور محمد الكسادي، الخبير في السياسات الاقتصادية، أن "المواطن هو المستفيد الأكبر من هذا الدعم، ليس فقط من خلال استقرار السوق، بل أيضًا من خلال تحريك الدورة الاقتصادية عبر المشاريع المرتبطة ببرنامج إعمار اليمن"، مشيرًا إلى أن "المشاريع التنموية ستخلق فرص عمل جديدة، وتعيد النشاط إلى قطاعات خدمية وإنتاجية ظلت مشلولة لسنوات".

هذه الآلية الجديدة في تقديم الدعم تمثل – بحسب اقتصاديين – ضمانة إضافية ضد الهدر والفساد، إذ إن المشاريع ستدار بطريقة تخضع لمعايير الحوكمة والرقابة، ما يعزز ثقة الداخل والخارج بجدية هذا الدعم وأثره.

ورغم التوقعات الإيجابية، فإن التحدي الأكبر يبقى في قدرة الحكومة اليمنية على إدارة هذا الدعم بكفاءة، فالمطلوب – بحسب خبراء – هو وضع آليات شفافة لتوجيه الموارد نحو الأولويات الملحة مثل الكهرباء والصحة والتعليم، إضافة إلى تعزيز دور البنك المركزي كجهاز مستقل قادر على إدارة السياسة النقدية بعيدًا عن التجاذبات.

وبينما يترقب الشارع اليمني انعكاسات هذا الدعم على أسعار السلع والخدمات، يرى مراقبون أن الأثر النفسي كان حاضرًا منذ لحظة الإعلان، إذ هدأت موجة المضاربات في السوق، مع استمرار الريال في الحفاظ على توازنه ومكاسبه الأخيرة. لكن الأثر المستدام سيعتمد على مدى التزام الحكومة بتنفيذ إصلاحات مالية واقتصادية جدية، مستفيدة من المظلة السعودية التي فتحت نافذة جديدة للأمل.

أخبار من القسم