نبيل الصوفي يكتب: إسرائيل وإيران وبينهما قطر.. خطورة إسقاط الدول
العلاقات الدولية قائمة على التوازن وليس على مبادئ عامة مثل السيادة والقانون.
من أول التاريخ وحتى ما بعد قيام الدولة الوطنية، كان الرادع العام هو إما قيادة قادرة على حماية شعبها ودولتها من صراعات أكبر من قدرتها، أو امتلاك قدرة ردع اقتصادية وعسكرية وشعبية.
سيطر الاتحاد السوفيتي على دول، احتلت أمريكا دول.. قصفت أي دولة حيثما اقتضت مصالحها واستطاعت قدرتها. ولم يعرف العالم والتاريخ أن دولة حمت نفسها دون إما التوازن أو الردع.
خلال مطلع القرن الماضي، هاجت الثورات الشعبية، وتدخلت دول في أخرى، ثم انقسم العالم إلى معسكرين واضطر الجميع إلى ما سميت بالحرب الباردة.
مع سقوط المعسكر الشرقي، انتهت حرب أفغانستان وأُعيد تصميم دور الجهاد والجهاديين حتى وصلوا نيويورك فتحول دورهم، ثم اجتاحت أمريكا العراق ولجأت كل دول العالم للتوازنات لتحمي نفسها من بطش القوة الغربية، وساهمت الليبرالية والرأسمالية في عقلنة الدور العسكري للقوى العظمى في العالم.
غير أن الشرق الأوسط كان له رأي آخر؛ إذ استمرت أزمة الوجود الإسرائيلي ووجودية القضية الفلسطينية في تاريخ البشرية كله، والتي لا يبدو لها حلًا تعادليًا؛ ففي كل التاريخ هذه الأرض هي محط اختبار ثابت لقوى النفوذ وإدارة الصراعات.
وحدث تحول طفيف تمثل في عودة السلطة الوطنية الفلسطينية بانتظار اختبار الدهر إن كان عصرنا يستطيع إنجاز معالجة مختلفة تتمثل في وجود دولتين على ذات الأرض.. لكن الحدث انتهى قبل أن يبدأ؛ إذ تظافرت ضده عوامل عدة تشاركت فيها كل الأطراف، مع تأثير أكبر للدولة الأحدث والأقوى وهي إسرائيل، وبالطبيعي لا يمكن إنجاز حل إلا بتعادل القوى أساسًا.
وخلافًا للتوجه العالمي، الذي يتيح للدول فرصًا لبناء ذاتٍ جمعية بقواعد حكم، تقرر بعده هذه الدول أي نهج ستتحمل عبئه؛ إما القوة أو السياسة في حماية مصالحها، توافقت إسرائيل وإيران الخميني على نهج مختلف.
استثمرت إسرائيل في الخلاف العميق بين الوطني والإسلامي داخل المجتمع الفلسطيني وحاصرت كل قياداته فاتحة الطريق لمزيد من الانقسام.
وإيرانيًا، طاشت يد قاسم سليماني في المنطقة تبني أذرعًا إرهابية أسقطت بها 4 عواصم عربية، مستثمرة في ذات التوجه الإسرائيلي؛ تمزيق السلطات الوطنية وبناء أذرع خاصة تملك السلاح ولا تتحمل أي مسؤولية وطنية تجاه مجتمعها.
وبالتأكيد، فإن "قطر" خاضت في ذات التوجه المشترك بين إسرائيل وايران، ولكن بمحدودية كبيرة حيث فشل قبل أن يبدأ في السعودية وخسرته في ليبيا وسوريا واليمن، ونجحت بحدود في أفغانستان ثم بقيت عالقة في التجربة الفلسطينية.
ثم جاء الـ7 من أكتوبر، ووجدت هذه الأطراف الثلاثة ذات النهج المتشابه نفسها في وجه بعضها، خارج معارك الشعوب والدول والقضايا مهما ادعت وتشدقت؛ فتبادلت إسرائيل وإيران القصف، ثم قصفتا قطر معًا في ظرف أشهر قليلة.
ومن المؤسف أن هذه الدول قادرة على مراجعة أدوارها تجاه بعضها كدول، فإيران وإسرائيل عادتا للتفاهم بمجرد 12 يومًا من القصف المتبادل، فيما تبقى نتائج نهجها العدواني ضد الشعوب والدول الأخرى دون مراجعة.
لقد طُحنت غزة وتحملت "حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية" عبئًا ضخمًا لايزال يتعاظم حتى اليوم.
وفي اليمن يستمر الحوثي عبئًا ثقيلًا على البلاد والعباد، ولا تزال العراق ولبنان في عراك بين الدولة والجماعة.