كيف نقضي شهر سبتمبر!
لطالما أننا صرنا الآن في صلب معركة وجودية علنية مع كهنوت مستجد يعمل على طمس أي ذكر للثورة التي اقتلعت جذوره، ومحو تاريخ صراع اليمني مع أسلافه، وإخفاء تاريخه الأسود، وخلق التباس وتزييف ينفذ من خلالهما إلى وعي المجتمع ويزعزع قناعاته حول مشروعه، ومحاولة إغوائه ببطولات عروبية ومواقف وطنية مبتدعه لثنيه عن رفضه، وتقبل جبروته كفعل منطقي مصحوب بمشروعية دينية، فلا سبيل لصد هذا الموج الكهنوتي إلا بطوفان فكري تثقيفي يستقرئ التاريخ ويستنطق أبجدياته، ويستكشف سوداوية السردية الإمامية الرجعية التي تعج بها مئات الكتب والمؤلفات والأبحاث والكتابات التي تعري هذا السواد وتفضح أشكاله.
ليكن شهرنا هذا مثقلًا بالغوص في بحبوحة المكتبة التاريخية اليمنية، وطقسًا وطنيًا يوجب إقامتنا في حضرة النور الأبجدي الجمهوري الذي كُرس لحراسة مستقبلنا، وتنبيهنا لمكامن الهزيمة المؤجلة التي ينبغي علينا التأهب لرفضها، والاستعداد لمواجهتها، وتحذيرنا من ترك أبنائنا لقمة سهلة للغرق في مستنقعها. لم ينتصر أسلافنا على الإمامة إلا بوعيهم المدرك لجحيمها، وثقافتهم المستشعرة لمدى خسارتهم أمامها إذا تناسوا فداحتها، فالوعي محرك جوهري أولي للانتصار، وفاتحة جادة للموقف الوطني، والتمكن من دحض الاستسلام وكسر التحديات والعوائق التي تعوق طريق هزيمة الخصم.
لا يبدو الحوثي هازلًا في عداوته لسبتمبر، ولا مترددًا في إزالته، منذ شروعه في خلق يوم موازٍ ليومنا، وإخفاء ذكره في مناهج المدارس والجامعات، وتكثيف جهوده في إحياء سِيَر الطغاة والأئمة في تاريخه السلالي، لدرجة تغيير أسماء المدارس بأوثان سلالية، أساليب طمس متعددة خفية وظاهرة، حتى بلغ كرهه مطاردة اليمنيين واختطافهم كلما هللوا بقدومه وأحيوا ذكرى ثورتهم المجيدة فيه، ولم يتبقَّ من سبتمبرنا في مناطق سيطرته إلا الاسم والعلم الوطني، حتى النشيد الوطني غدت الصرخة أكبر منافس له في كل محفل، ولم يعد يُسمع صوته إلا في الأماكن المغلقة التي تحفظ حنين اليمني لسماع نشيده الوطني، وتتيح له أمنية ذلك الحنين المقموع.
فلا بد أن نجعل من سبتمبر رحلة تصحيحية للذات، وصقلها مما علق بها من شوائب في المواقف والنضالات، وألا تثنينا تلك التحايلات التي تنظر لكيفية علاقتنا مع خصمنا، وتعاتبنا مطالبة بأن نخاصم بشرف مع عدو بلا شرف ولا ملة ولا انتماء، وتلك هي الخيانة والخذلان لدماء شهدائنا وآلام جرحانا وحسرات اليمنيين من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، فالحوثي ليس خصمًا سياسيًا عابرًا بل عدوًا أزليًا نازعنا مجدنا واستلب عزنا وغدونا في عهده مشردين متناثرين مع حطام وطننا المفقود.
وعليه؛ فإن التماهي مع سبتمبر بمثابة حصانة وطنية وغذاء روحي وناموس حياة وكرامة، فقد اُستعبد اليمنيون في الشطر الانقلابي الحوثي، وغدت الإمامة طقسًا يوميًا يتجرعونه بكل تفاصيله، ولا تلتقط وسائل الإعلام طبيعة تلك التفاصيل، فهناك ارتداد رهيب نحو الخرافة والتجهيل، وتغييب العقل كأنه في إجازة مفتوحة، وبروز هوية طائفية دينية متهكمة من كل منجز وطني يتعلق بحرية الفرد وكرامته وامتلاكه أي إرادة أو تحكم بوجوده.
فالسادس والعشرون من سبتمبر عقد اجتماعي حرر اليمنيين من الرق، وفقدان هذا العقد سيمثل عودة إجبارية مشروعة لسوق النخاسة الإمامية والهلاك بأي طريقة من طرق استخدام أبناء اليمن كوقود في محارقها ومشاريعها التدميرية.