مع بداية موسم الأمطار الغزيرة، يعود الخوف من المأساة ليلقي بظلاله على مخيمات النازحين في محافظة مأرب؛ فقصص العام الماضي لا تزال حية في ذاكرة آلاف الأسر التي وجدت نفسها في مواجهة قاسية مع الطبيعة إضافة إلى معاناة النزوح بعيدًا عن منازلهم جراء الحرب الحوثية.

في "مخيم الكويت"، أحد ما يقارب 40 مخيمًا وتجمعًا للنزوح في قطاع "جو النسيم"، تضررت العام الماضي، تتذكر "حسينة"- وهي أم لـ(8 أطفال)- بمرارة كيف دمرت العواصف والأمطار كل ما تملكه.

تقول "حسينة" لـ"وكالة 2 ديسمبر": "كنت أقاوم شدة الرياح من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من فراش وملابس وأثاث، بعد أن غرقت الخيام التي كنا نسكنها واقتلعها الريح".

في ذلك اليوم، لم تجد "حسينة" وأطفالها مأوى آمنًا سوى تحت ظل شجرة، حيث تشاركت مع أسر أخرى مصيرها في البحث عن حماية من العاصفة، من بينها شقيقتان أُخريان- وهما والدتين لطفلتين لم تبلغا العامين- وجدتا نفسيهما أيضًا مع طفلتيهما في العراء بعد أن دُمرت خيامهما.

لم تكن مأساة "حسينة" فريدة من نوعها، بل صدى لمعاناة أكثر من 16 ألف أسرة نازحة في 111 مخيمًا وتجمعًا في مأرب تضررت كليًا أو جزئيًا من الأمطار والعواصف.

بعد مسح ميداني شامل أُجري في ديسمبر 2024م، حذرت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في المحافظة من كارثة طبيعية تحدق بالآلاف من النازحين في موسم الأمطار هذا العام.

وتبيّن- بحسب تنفيذية النازحين- أن 142 مخيمًا من إجمالي 209 مخيمات في المحافظة، معرضة بشكل مباشر للكوارث الطبيعية، من بينها 30 مخيمًا مهددة بالسيول والفيضانات، و112 مخيمًا عرضة للرياح العاتية والعواصف.

وفق الإحصائيات الرسمية، استقبلت مأرب نحو 62% من إجمالي النازحين في اليمن، يقول محمد السعيدي، مدير لجنة المخيمات في الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في المحافظة لـ"وكالة 2 ديسمبر"، إنهم يعيشون في خيام مهترئة لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء، ولا حتى الكوارث المناخية التي تحل كل عام بمآسيها على النازحين.

يصف النازحون في المخيمات، الذين يقدر عددهم وفق آخر إحصائية للوحدة التنفيذية بـ(488 ألفًا و185 فردًا) يمثلون (69 ألفًا و735 أسرة)، خيامهم  بأنها "لم تصمد أمام رياح عابرة"، متسائلين: "كيف لها أن تصمد أمام عواصف رعدية وأمطار غزيرة؟!".

وشهد العام الماضي (2024م) تحولات مناخية عنيفة، إذ اجتاحت سيول جارفة ورياح عاتية 111 مخيمًا، مخلفةً وراءها دمارًا واسعًا طال مساكن الآلاف.

الأرقام تتحدث عن نفسها: 14.630 عائلة تضررت، منها 3.783 فقدت كل شيء، و10.847 عانت من أضرار جزئية، بحسب تقرير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في المحافظة اطلعت عليه "وكالة 2 ديسمبر".

لم تتوقف المأساة عند الخسائر المادية، بل امتدت إلى الأرواح، بأعداد وفيات وإصابات بلغت 43 نازحًا. ووفق الوحدة التنفيذية، فإن 9 نازحين، بينهم نساء وأطفال، لقوا حتفهم، في حين أُصيب 34 آخرون.

بالإضافة إلى ذلك، فقد النازحون ما تبقى لهم من مواد غذائية وغير غذائية، ما ضاعف من معاناتهم وأدخلهم في حلقة مفرغة من الفقر والحاجة.

حينها، وصفت الوحدة التنفيذية الوضع في المخيمات بالكارثة التي تستوجب "الاستنفار وحشد كل الجهود".. ورغم الجهود التي بُذلت فإن حجم الكارثة فاق قدرة الاستجابة بكثير؛ إذ بلغت نسبة التدخلات 12% فقط من إجمالي الاحتياجات.

هذه الكوارث المتكررة ليست مجرد ظواهر طبيعية، بل مأساة يعيشها النازحون كل عام مع بدء مواسم الأمطار، تكشف فشلًا ذريعًا للمنظمات الدولية والأممية التي تدّعي الإنسانية.

على مدى 10 سنوات مضت، يقول مصدر في الوحدة التنفيذية للنازحين بمأرب لـ"وكالة 2 ديسمبر": صُرفت مليارات الدولارات تحت مسمى المساعدات والإغاثات الطارئة، لكن كل تلك المبالغ المُعلن عنها ليس لها أي نتيجة فعلية على أرض الواقع.

رغم تلك الأرقام المُعلنة، لا يزال النازحون يعيشون في خيام لا تقيهم من الكوارث الطبيعية المتكررة كل عام، لتكشف صورة مخيبة للآمال حول منظمات فشلت في توفير المأوى الآمن لآلاف الأسر التي فرت بأرواحها من ويلات الحرب.

السلطة المحلية في محافظة مأرب، أكدت- في آخر تصريحاتها- أن الوضع بات فوق احتمالها لمواجهة أي كوارث قد تحدث، لا سيّما مع نقص التمويل وانسحاب العديد من المنظمات الإنسانية الأممية والدولية عن التدخل، ما ترك فجوة إنسانية كبيرة تُنذر بكارثة إنسانية وشيكة في مختلف القطاعات ومنها المأوى، والإيواء، والغذاء المهدد بكثير من المخاطر المحدقة، وفي المقدمة منها الكوارث المناخية.

عبدربه مفتاح، وكيل محافظة مأرب، في تصريحات حديثة بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني الذي يصادف الـ19 من أغسطس كل عام، وجّه مناشدة ونداء عاجلًا للأشقاء في دول الخليج، لتقديم يد العون والمساعدة للنازحين.

وقال "مفتاح": "في ظل هذا الواقع باتت الأسر النازحة التي أبت إلا أن تعيش بحرية وكرامة، بحاجة ماسة إلى مساعدات إيوائية وغذائية عاجلة لإنقاذها من كارثة إنسانية وشيكة"، مؤكدًا أن "تلك الأسر لم تأتِ إلى المخيمات للنزهة، بل بحثًا عن الأمن والأمان من مليشيا الحوثي الإرهابية، ما يوجب على الجميع الوقوف إلى جانبهم وعدم تركهم للمآسي".

وفي كلمته، دعا وكيلُ محافظة مأرب المنسقَ الإنساني للأمم المتحدة في اليمن إلى إدراك أن المحافظة تضم 62% من إجمالي النازحين على مستوى الجمهورية، وأن المساعدات يجب أن توزع بكل شفافية ووضوح لتغطي كافة النازحين واحتياجاتهم.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية