أحمد غيلان يكتب: بيانُ المشكلة والحل والموقف
البيان الذي أصدره المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، حول تصحيح مسار العملية السياسية، حمل موقفًا شجاعًا وصريحًا وحصيفًا ومسؤولًا.
حدد بوضوح وشفافية أهم مفردات المشكلة، ووضع بمسؤولية مقترحات الحلول؛ المتمثلة في تفعيل مؤسسات الدولة، والالتزام بالتشريعات والمرجعيات الناظمة، وتفعيل مؤسسات الدولة، وتجسيد مبدأ الشراكة والتوافق.
البيان تخاطب مع الشركاء بلغة سياسية حصيفة ورزينة، دون إساءة أو شطط، ودون قفز على واقع، أو ادعاء ما ليس حقيقة، أو مطالبةً بما ليس حقًّا مستحقًّا.
ولعل من أصداء البيان- ومن شواهد صوابيته- أن يأتي اجتماع الهيئة العليا للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية- في اليوم التالي لصدور بيان المكتب السياسي- ليناقش ويتناول ويقر في بيانه أهم ما تطرق له بيان المكتب السياسي للمقاومة الوطنية: (تفعيل المؤسسات وتحقيق التوافق والشراكة).
وإلى جانب ذلك وقبله تابعنا بيانات وتصريحات من مكونات سياسية ومجتمعية شخصيات برلمانية، تنادي بتجسيد مبدأ التوافق، وتطالب بتحقيق وتوسيع الشراكة، وتحذر من التجاوزات الدستورية والتشريعية، وتشدد على تفعيل مؤسسات الدولة.
من بيانات وتحذيرات الانتقالي، إلى بيان المقاومة التهامية والحراك التهامي، إلى بيانات ومواقف المكونات الحضرمية، إلى احتجاجات البرلمانيين، إلى صراخ المواطنين، الذي يتصاعد في عدن وتعز وكل المحافظات؛ بسبب الأوضاع المعيشية المتدهورة والانهيار الاقتصادي المتسارع وانعدام الخدمات وغير ذلك.
ولسنا- في المقاومة الوطنية- منزعجين من ردود الأفعال المختلفة مع ما طُرح في بيان مكتبنا السياسي، ومثلما نعتبر ما طرحه بياننا صوابًا يحتمل الخطأ، كذلك نؤمن بحق الآخرين أن يطرحوا وجهات نظرهم، حتى وإن كانت خطأ يحتمل الصواب.
وليس لدينا مشكلة في أن نسمع ونقرأ ونتابع ردود أفعال تناقشنا في صوابية ما طرحنا من عدمها، ما دام النقاش في مضامين الطرح ومفردات الرؤى المطروحة والمحددة بوضوح في البيان.
المشكلة الحقيقية ليست لدينا نحن، بل لدى أولئك الذين تجاهلوا ما طرحناه ونطالب به ونصر عليه، وذهبوا بعيدًا يبحثون عن مبررات وذرائع وحيثيات تمنحهم الحق في إنكار حقنا المشروع في الطرح والمطالبة والاعتراض والاقتراح والاختلاف.
أظهرت بعضُ ردود الأفعال أن ثمة من لم يستوعب بعد- أو لم يقتنع بعد- أن المقاومة الوطنية شريك فاعل وحاضر في الميدان وعلى الأرض، وهؤلاء لديهم مشكلة حقيقية مع فكرة ومشروع تشكيل وإعلان مجلس القيادة الرئاسي قبل أن تكون لديهم مشكلة مع بيان المكتب السياسي، ويجترون أفكارًا وتصوراتٍ وأوهامًا عفى عليها الزمن، وتجاوزها الواقع، وأسقطها تشكيل مجلس القيادة الرئاسي يوم تشكيله وإعلانه، وليس بيان مكتبنا السياسي.
وأظهرت بعض ردود الأفعال أن من بين المحسوبين على المكونات المشاركة- في مجلس القيادة والحكومة- من يحملون ثقافة لاهوتية تكفر بحق الاختلاف، وعقلياتٍ كهنوتية لا تؤمن بحق الآخر في التعبير عن نفسه ورؤاه، ونفسيات استبدادية تسلطية غير قابلة للتعايش والشراكة مع الآخر تحت أي ظرف.
كُتَّابٌ ومثقفون ومنظرون، نسمعهم ونراهم في المنابر والمحافل، ونقرأ عنهم كثيرًا من التنظيرات عن الحرية والتعدد والتنوع وحق التعبير والشراكة وأهمية التوافق و...إلخ، لكنهم تجاه بيان المكتب السياسي للمقاومة- على رزانته وموضوعيته- أظهروا صنميةً لا تنتمي للعصر ولا للواقع، ولا حتى لما يُظهرون من الانفتاح والتقدمية والتحرر، بل تنتمي لمحاكم التفتيش وكهانة القرون الوسطى.
قيادات سياسية وشخصياتٌ اعتبارية- من داخل مكونات الصف الجمهوري- تريد أن تقول إن الشراكة في هذا الصف افتراضية، وإن التوافق عبارة عن شعار للاستهلاك الإعلامي.
وأخرى تريد أن تصنِّف الشركاء على طريقة التصنيف السياحي للفنادق (من نجم واحد إلى سبعة نجوم)، وربما يكون هناك شركاء لا نجم لهم ولا شمس ولا هلال، هذا النوع من الشخصيات لا يستحقون الشفقة؛ بل يستحقون أن يجدوا من يلفت انتباههم بأنهم التجسيد الحقيقي للصخب والعدمية، التي وصفها الأستاذ عبدالله البردوني بقوله:
قبري ومأساة ميلادي على كتفي
وحولي العدم المنفوخ والصخبُ.
بقي ممن ظهر على "الفاترينة" مجموعةٌ ممن يصنفون مكونات الصف الوطني الجمهوري- بين سابق ولاحق- ويريدون أن يقدموا أنفسهم على أساس أنهم من أصحاب بدر وأُحد، وهؤلاء يجب أن نوضح لهم أننا- في المقاومة الوطنية- نعرف من سبقونا إلى الخنادق، ونعرف أين هم، وهم يعرفوننا أيضًا، ويعرفون أننا نضعهم على رؤوسنا وفي حدقات أعيننا.
ولن نقول لهم- من باب النكاية أو رد الفعل- أننا سبقناهم إلى مواجهة الكهنوت منذُ التمردات الكهنوتية في صعدة عام ٢٠٠٤، بل ونعرف أن من بينهم من كانوا شركاؤنا ومن سبقونا في تلك المواجهات.
كما أننا نعرف الذين سبقونا إلى الفنادق والمناصب والمكاسب والمصالح والمكرمات والهبات، وإلى التسلق على أكتاف وتضحيات ودماء ونضالات الشرفاء في كل مترس وموقع وموقعة، وهؤلاء نعرفهم ونعرف- كما يعرفون- أنهم طارئون على كل نضال وطني مشروع وشريف، ومن بينهم من كانوا يعتبرون مواجهة التمردات الحوثية حربًا عبثية، وبالمحصلة ليسوا أكثر من انتهازيين وتجار أزمات وحروب، تخيفهم مشاريع الاصطفاف والتوحد، القائمة على التوافق والمشاركة في تحمل المسؤولية، كما تخيفهم معركة الحسم الجمهورية الشاملة، التي يعرفون أنهم أصغر من أن يسجلوا فيها حضورًا يمنحهم مشروعية البقاء على قيد أي عنوان محترم من بعدها.
ولا أحتاج إلى التعريج على أسراب الذباب الإلكتروني، التي حلقت على بيان المكتب السياسي بنهم وشهية غير مسبوقة، كما وأنه ليس من اللائق التطرق إلى من يتحولون- من أسماء معلومة- إلى ذباب مجهول على منصات التواصل، يحاول تعكير مياهنا الجمهورية؛ ليبقي له من مخلفات الأزمات ما يصطاد.
المقاومة الوطنية طرحت- في بيان مكتبها السياسي- مشكلة قائمة لم ينكرها- ولا يستطيع أن ينكرها- أحد، وهي مشكلة وليست أزمة، وهي قابلة للنقاش والجدل والحل أيضًا، وطرحت- في ذات البيان- مقترحات للحلول، قابلة للأخذ والتعديل والاستبدال، بمقترحات تعالج المشكلة ذاتها ولا تخلق مشاكل أخرى.
ولا عزاء لمن يهرب من الواقع إلى الوهم، ومن الحقيقة إلى الزيف، ومن الحلول إلى اختلاق المشاكل.