الشراكة السياسية وسيلة لا غنى عنها لبناء مشهد سياسي متماسك ومستقر، وتزيد أهميتها في ظل الظروف الاستثنائية التي يعانيها اليمن منذ عقد ونصف.

في هذا الإطار، جاء بيان الأمانة العامة للمكتب السياسي في الثالث والعشرين من يونيو الجاري، ومن منطلق الحرص على قيم التوافق الواقعي المعبّر عن المكونات السياسية الفاعلة على الأرض، والبعيد عن الانكماش في مربع فترة ما قبل تشكيل مجلس القيادة الرئاسي.

يخبرنا تاريخ الهزات السياسية أن من النتائج المتواترة إثر كل هزة اختفاء أو ضمور أو تجزؤ قوى، وبالموازاة ظهور وتشكل قوى جديدة. أما كيفية تكون الأخيرة فمن المؤكد أنها لا تأتي من العدم، وإنما بنزوحات من القوى القديمة لأفراد وجماعات باتوا يرون أن المكونات الأحدث أكثر قدرة على تمثيل المرحلة.

من أهم القوى التي أفرزتها المرحلة المكتب السياسي للمقاومة الوطنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وكلاهما مثلا وعاءً سياسيًا جديدًا ضم في قوامه أفرادًا وشخصيات كانوا في أحزاب ومكونات سياسية عريقة ورائدة، كالمؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، والكثير منهم اتخذت أحزابهم إجراءات تنظيمية ضدهم لإدراكها أنهم عمليًا وسياسيًا لم يعودوا أعضاء فيها، وهو ما ينبغي أن تتعامل معه القيادة السياسية كحقيقة، وأن تدرك وجود تكتلات سياسية حديثة لكنها فاعلة في المسرح السياسي الراهن، ويجب عدم النظر إليها على أنها تجمعات داخل مكوناتها وأحزابها السابقة، للهروب من استحقاقات الشراكة والشروط الموضوعية لبيئة توافقية سليمة.

المسألة لا تتعلق بالمحاصصات بقدر اتصالها بمبادئ إدارة المعركة والمرحلة، ورسم خريطة مسار السفينة الوطنية الجمهورية عقب انتهاء حالة الحرب وإنجاز مهام استعادة الدولة وتحرير كافة الجغرافيا اليمنية من براثن العصابة الحوثية.

الظرف الدولي والإقليمي- وكذلك الشعبي الداخلي- يوفر فرصة جيدة للانقضاض على المليشيا الحوثية وتحرير الوطن وتخليصه من التبعية الإيرانية والانتعاش الإمامي، وهو ما يطرح كافة القوى الجمهورية أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية لا تحتمل إضاعة الفرصة بمناكفات ومكايدات سياسية جعلت البلد فيما مضى لقمة سائغة للحوثي.

الشراكة لا سيما في الوضع الحالي ليست ترفًا سياسيًا ولا بديلًا بين متاحات، وإنما ضرورة وطنية، أبسط مقتضياتها تشخيص الواقع السياسي وهيكلته بالاستيعاب الحقيقي والمتبادل لقوى المرحلة للتمكن من العبور إلى واقع ما بعد الحوثي.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية