في سجون مليشيا الحوثي، يتكشف واقع مأساوي يعيشه آلاف اليمنيين خلف القضبان تتقاطع تفاصيله مع أسوأ عمليات القمع والتنكيل في تاريخ الأنظمة الكهنوتية، حيث يعيش آلاف المخفيين قسرًا قصصًا مؤلمة تنتهي أحيانًا بالموت تحت سياط جلادي المليشيا.

أرقام مفزعة

تشير الإحصاءات الحقوقية إلى تفاقم مستويات الجرائم الوحشية التي تمارسها المليشيا الحوثية في المناطق المنكوبة بسيطرتها؛ إذ وثقت منظمات محلية ودولية- تزامنًا مع اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب- اختطاف أكثر من 16800 مدني منذ أواخر عام 2014، بينهم نساء وأطفال وأكاديميون وصحفيون وسياسيون وناشطون في العمل المدني.

في الوقت الحالي لا يزال أكثر من 4200 مختطف في سجون معلنة، بالإضافة الى آلاف آخرين في سجون ومقرات سرية تابعة لجهاز الأمن الوقائي الحوثي والاستخبارات لا يسمح لأهاليهم بزيارتهم أو التواصل معهم، ولا يتاح لهم الحصول على محامٍ أو طبيب.

وبيّنت التقارير وجود أكثر من 1300 حالة اختفاء قسري لأشخاص لم تعرف أسرهم عنهم شيئًا منذ سنوات، ما بين مختطفين من منازلهم أو نقاط التفتيش أو حتى من مقرات أعمالهم، بعضهم قضى تحت التعذيب أو في ظروف اعتقال مروعة.

وفي تصريح لوكالة "2 ديسمبر" قالت مدير مكتب حقوق الإنسان بالحديدة فتحية المعمري؛ إن اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب يمثل فرصة لرفع الصوت والتضامن مع كل الضحايا اليمنيين الذين تعرضوا، ولا يزالون، لانتهاكات ممنهجة ومروعة على يد مليشيا الحوثي الإرهابية التي حولت البلاد إلى سجن مفتوح ونكلت بكل من يخالفها أو يعارضها.

وأشارت المعمري، إلى أن آلاف المدنيين في مناطق سيطرة الحوثي تعرضوا للاختطاف والإخفاء القسري، وغُيبوا في سجون سرية حيث تعرضوا للتعذيب الجسدي والنفسي المهين، في انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية، مضيفة: "وثقنا مئات الحالات التي توفي فيها مختطفون نتيجة للتعذيب الوحشي والإهمال الطبي، ومن بين هذه الحالات- التي تم رصدها- نساء تعرضن للاختطاف والتعذيب والانتهاك الجنسي وحملات التشهير الممنهجة".

واعتبرت المعمري تلك الممارسات "جرائم مركبة ضد الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية للمرأة". مشيرة إلى أن الأطفال وكبار السن لم يسلموا من البطش والتنكيل الحوثي، وطالت الاختطافات طلابًا قاصرين ورجالًا مسنين تم احتجازهم في ظروف لا إنسانية وتعرضوا لمعاملة بالغة القسوة فاقمت من معاناتهم الصحية والنفسية.

تعذيب ممنهج

لا تتوقف الانتهاكات الحوثية عند الحرمان من الحرية، بل تتجاوزها إلى استخدام وسائل تعذيب مروعة لكسر إرادة المختطفين أو انتزاع اعترافات وتلفيق تهم جاهزة.

ومن أبرز وسائل التعذيب التي رصدتها منظمات حقوقية: الصعق الكهربائي في مناطق حساسة، والضرب بالعصي والكابلات، والتعليق لفترات طويلة، والحرمان من النوم والطعام والماء، والاحتجاز في زنازين مظلمة أو ما يُعرف بـ"الضغاطة".

التحالف اليمني لرصد الانتهاكات وثق في آخر تقاريره أكثر من 178 حالة وفاة تحت التعذيب، فيما يُرجح أن الرقم أكثر بكثير مما تنشره تقارير وبيانات المنظمات؛ نظرًا لرفض المليشيا تسليم الجثث أحيانًا أو دفنها دون إشعار أهالي الضحايا.

كما وثقت الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، في تقريرها الصادر بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، رقمًا كبيرًا مما تمكنت فرقها الميدانية من رصده في سجون الحوثي، بلغ 2388 حالة موثقة، من بينهم 275 امرأة و67 طفلًا و324 حالة وفاة نتيجة للتعذيب أو الإهمال الطبي، بينهم 12 طفلًا وامرأتان.. وأشار التقرير إلى تمكنه من توثيق 778 سجنًا ومركزًا في 17 محافظة.

النساء هدف للمليشيا

من أبشع ما تم توثيقه في سجون المليشيا الحوثية الانتهاكات البشعة التي تتعرض لها النساء اليمنيات وتمتهن كرامتهن الآدمية متجاوزة الأخلاق والقيم الإنسانية والأعراف والتقاليد اليمنية التي تجرم المساس بالمرأة وتعتبر الاعتداء عليها عيبًا أسود.

تقارير صادرة عن الأمم ومنظمات محلية، مثل "تحالف نساء من أجل السلام"، كشفت عن ممارسات صادمة داخل معتقلات النساء التابعة للجماعة تمثلت في التعذيب الجسدي والاغتصاب تحت إشراف "الزينبيات"، واختبارات العذرية القسرية أمام ضباط التحقيق والتحرش الجنسي والشتائم والإذلال اللفظي والتهديد بفضح المعتقلات أو استهداف أسرهن.

ولا تقتصر المعاناة على فترة الاختطاف، بل تمتد إلى ما بعد الخروج من السجن، حيث تعاني النساء المفرج عنهن من النبذ المجتمعي والوصمة بالعار، بالإضافة إلى آثار نفسية عميقة تدمر مستقبلهن وحياتهن الأسرية.

وفي هذا الخصوص، يلفت رئيس منظمة ميون لحقوق الإنسان عبده الحذيفي- في تصريح لوكالة "2 ديسمبر"- إلى أن الحوثيين لم يراعوا حرمة النساء اليمنيات بل اقتادهن جلاوزته من منازلهن إلى السجون ولفقوا لهن التهم ليمثلن بعدها أمام محاكم صورية أصدرت بحقهن أحكامًا بالسجن والإعدامات، وأخريات لا زلن قابعات في سجون سرية يتعرضن لأبشع الاعتداءات التي وثقتها شهادات حية لمن تمكن من النجاة من هذه الأقبية والمعتقلات.

جرائم لا تسقط بالتقادم

تؤكد أصوات حقوقية يمنية أن الإفلات من العقاب يشجع مليشيا الحوثي على الاستمرار في هذه الانتهاكات، وأن العدالة لا بد أن تتحقق عاجلًا أم آجلًا وينال المجرمون جزاءهم العادل، ورغم الصمت الدولي وتجاهل المنظمات الأممية لجرائم المليشيا إلا أن ذاكرة الضحايا وذويهم ستظل حية ولن تموت، وما يزرعه الإرهاب الحوثي الآن سيحصد ثماره غدًا.

مدير مكتب حقوق الإنسان بالحديدة فتحية المعمري، دعت المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية إلى تحرك عاجل لإنقاذ المدنيين اليمنيين من سجون مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، ووقف آلة القمع والتعذيب الحوثية، والإفراج عن المختطفين وكشف مصير المخفيين قسرًا وإغلاق السجون السرية.

وجددت المعمري الالتزام الأخلاقي لمكتب حقوق الإنسان بالحديدة بمواصلة رصد وتوثيق الانتهاكات والجرائم الحوثية دفاعًا عن الإنسان اليمني.

أما رئيس منظمة ميون لحقوق الإنسان عبده الحذيفي، فأبدى أسفه أن يحيي العالم اليوم الدولي لمساندة ضحايا السجون والتعذيب ولا يزال في معتقلات الحوثيين غير القانونية آلاف السجناء المدنيين، الذين اختُطفوا من منازلهم ومن الشوارع ومقرات أعمالهم.

وأضاف: لجأت جماعة الحوثي في مناطق سيطرتها إلى الاعتقالات والتنكيل بكل صوت معارض لجرائمها وممارساتها الطائفية الإقصائية وفساد قياداتها، حيث تكتظ المعتقلات السرية بأعداد كبيرة من المعارضين والناشطين؛ فيما لاذ البقية بالفرار إلى مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ودول الجوار والانخراط في الهجرة غير الشرعية، المعروفة بمخاطرها العالية، عبر البحار إلى أوروبا وبقية دول العالم.

أخبار من القسم