المحرر السياسي | بيان المكاشفة لتصحيح مسار التوافق والشراكة
لم يكن البيان الصادر عن الأمانة العامة للمكتب السياسي للمقاومة الوطنية إلا مكاشفة صريحة وعقلانية أضاءت اختلالات مسار الشراكة داخل الشرعية، وشخّصت الأعطاب التي تعوق قاطرة العمل المشترك، بل إن البيان لخص بوضوح، ودون مواربة، التحديات التي تقوّض جماعية التوافق وتفعيل المؤسسات، وفي القلب منها قضايا الناس الأساسية التي يجب أن تظل الأولوية القصوى على طاولة مجلس القيادة الرئاسي، قبل أي اعتبارات أخرى.
مضامين البيان واضحة لا لبس فيها ولا تقبل التأويل بأي حال من الأحوال، بل وتجسد وضوح الرؤية وثبات الأهداف لدى المكتب السياسي وإيمانه المطلق بأن المعركة الوطنية المقدسة، التي يخوضها شعبنا لاستعادة دولته ودفن خرافة الولاية وبتر الذراع الإيرانية، تتطلب أرضية صلبة سمتها وحدة الصف الوطني.
فالدعوة إلى حضور الحكومة خلال نقاشات رئيس مجلس القيادة الرئاسي حول قضايا هي من صميم عملها واختصاصها، لم تنبع إلا من حرص وطني للحفاظ على وحدة الصف، ولا تحمل في طياتها أي مصلحة سياسية ضيقة كما قد يظن البعض؛ فكيف يمكن أن تُناقش ضائقة اليمنيين الاقتصادية، على سبيل المثال، دون مشاركة الجهة الأولى المعنية بها والمكلفة بمعالجتها؟!
ولا يُفهم صراحةً ما هي المآخذ على خطاب منطقي بحت كهذا حتى يُقابل من قِبل بعض الأقلام بالاعتراض، بل والتشويه والانفعالية، أما حملة التضليل الحوثية تجاه البيان فلا غرابة فيها؛ كونها تدرك جيدًا ما يعنيه التصحيح ومخاطر أن تقف القوى الوطنية المناهضة لها على أرضية صلبة من التوافق.
لقد رحب المكتب السياسي بكل نشاط لقيادة الدولة في عدن وسائر المناطق المحررة، واعتبره التزامًا وطنيًا ضمن الإطارين الدستوري والقانوني، ولا جدال في ذلك.
إذا كان التأكيد على ضرورة الشراكة السياسية الفاعلة والمتكاملة، لا الشكلية، أمرًا مزعجًا للبعض، فإن الأمر يستدعي مراجعة وتأنيًا قبل كيل التهم، فالجميع يعلم أن المكتب السياسي- منذ نشأته- وضع مبدأ الشراكة الوطنية ووحدة الصف، وحدة المعركة الوطنية في صدارة أولوياته، وترجم ذلك عمليًا في مناسبات عدة- بالأفعال لا الأقوال- لعل أبرزها فعاليات الذكرى السابعة لاستشهاد الزعيم علي عبدالله- رئيس الجمهورية الأسبق- والشهيد عارف الزوكا، التي شهدتها المخا وجمعت ألوان الطيف السياسي اليمني على قاعدة التوافق والخطاب الوطني المتزن.
ليس من المنطق أن تكون المقاومة الوطنية شريكًا محوريًا في المعركة المصيرية ضد المشروع الإيراني، بينما يبقى تمثيلها السياسي هامشيًا في القضايا العامة، تُستثنى من اجتماعات يحضرها كافة شركاء العمل السياسي الآخرين، فالمكتب السياسي ثالث أكبر كتلة برلمانية، شأنه شأن أي قوة سياسية أخرى، وليس معيبًا أن ينادي بضرورة تجنب سياسة الإقصاء والتهميش التي تضر بالمصلحة الوطنية العليا، وأن يحث على تقوية جسور الشراكة.
إن ما طرحه المكتب السياسي ليس سوى دعوة إلى تصحيح المسار المؤسسي، وضمان أن تظل بوصلة الشرعية موجهة نحو تحقيق توافق حقيقي يخدم الشعب والبلاد، لا أن تنحرف بمسارها عن مبادئ الشراكة التي قامت عليها، فسياسة التمييز هذه لا تؤدي إلا إلى تعميق الفجوة بين شركاء النضال، وهذا ما يرفضه المكتب السياسي رفضًا قاطعًا، تمامًا كما يرفض سياسة الإقصاء.