كان نظام الملالي في طهران يراهن، عادةً في حال وصلت المفاوضات بينه وبين المجتمع الدولي حول برنامجه النووي المشبوه إلى نقطة حرجة.. على دفع أحد أذرعه الإقليمية في لبنان وسوريا والعراق واليمن لإشعال حرب بالوكالة تخفف من الضغوط عليه، وتجعله جزءًا من الحل، أو وسيطًا إلى هذه المليشيات التابعة له.


لكن الأمور، في المنطقة كلها تقريبًا، تغيرت جوهريًا منذ 7 أكتوبر 2023؛ تصدعت هذه المليشيات التي كان النظام الإيراني يبتز بها العالم.. سقط النظام الموالي له في سوريا، تم تدمير حزب الله، الذي كان بمثابة رأس الحربة في المشروع والمحور الشمولي، تم كبح مليشياته في العراق، فيما أثبتت الجماعة التابعة له في اليمن بؤسها وبؤس إمكاناتها، وأنها لا تشكل خطرًا ذا بال بالنسبة لإسرائيل.
وهكذا، وبعد قصقصة أذرع هذا الأخطبوط الكهنوتي، تمت مهاجمة رأسه مباشرة في طهران بضربات ساحقة ماحقة شملت تدمير منشآت نووية، وتحييد قادة عسكريين، وعلماء نوويين.. وإجمالًا، تم تقريبًا تدمير قلب المشروع النووي، وجزء كبير من الترسانة العسكرية لإيران.. جهود ملالي طهران طوال 46 عامًا فيما يتعلق بمشروعها النووي تبخرت في ساعة واحدة!

وفي خضم هذا كله، وكما لو أن الضربة الإسرائيلية تسببت للنظام الإيراني بارتجاج في المخ، وخلل في التفكير.. ترك ملالي إيران مواجهة إسرائيل، العدو الذي ينكل بهم بشكل مباشر، وانحرفوا بعيدًا عن دوي الانفجارات، وحرارة الحرائق المشتعلة، إلى مشاعر وخطابات تاريخية غابرة، باستحضار كربلاء، ورفع رايات "يا لثارات الحسين"!
لا علاقة لهذا الشعار بإسرائيل، بل بالدول والشعوب العربية السنية؛ فهم، حسب الرأي والرؤية الطائفية لنظام الكهنوت في إيران، هم قتلة الحسين ومن يجب الانتقام له منهم، وهو الشيء الذي كان نظام الثورة الإيرانية يقوله ويفعله في الدول العربية منذ البداية، تبعًا للوثة وشعارات طائفية أنهكت الأمة، وجلبت عليها الويلات منذ 1400 عام.

وعلى افتراض أن المقصود بهذا الشعار إسرائيل، فإسرائيل حتى اللحظة تقوم بتدمير قدرة النظام الإيراني على الثأر والانتقام، من خلال تدمير البنية الصناعية للصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة، وما سيتبقى ربما لن يكون كافيًا حتى لحفظ ماء الوجه. لكن؛ حتى إذا تبقى له ما يكفي للانتقام، فلا أعتقد أنه سيستخدمه.

نظام الملالي هذا- رغم كل شيء- نظام براجماتي ذكي، أكثر ما يهمه هو الحفاظ على بقائه، وبالتالي: سيفكر مليًا في كمية ونوعية الرد:
الرد القوي الشامل سيدفع إسرائيل، وربما أمريكا وراءها، إلى تدمير البنية الاقتصادية لإيران، من منشآت نفطية وموانئ ومطارات.. وهذا قد يؤدي إلى إسقاط النظام.
وعدم الرد سيحرج موقف هذا النظام أمام شعبه وحلفائه، وقد يؤدي إلى سقوطه.

يمكن تصور هذه الورطة، وتوقع أن الرد سيكون شكليًا، وربما متفق عليه، وفقط لحفظ ماء الوجه.

ليس من أهداف إسرائيل وأمريكا إسقاط نظام الملالي هذا، لكن التصعيد قد يؤدي إلى هذه النتيجة، وأفضل ما نتمناه لإيران: أن يقوم الجيش بانقلاب على نظام خامنائي، وإعلان نظام جديد للبلاد.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية