قيادة تدرك أهمية الاستدامة.. نموذج الساحل الغربي
كثيرًا ما يعتصرني الألم الشديد وأنا أشاهد الانحدار المتسارع للأوضاع المعيشية للمواطنين في بلادي.
أصبح الانهيار الاقتصادي والمالي، الذي تتسارع وتيرته في دوامة الحرب والانقلاب الحوثي، كأنه القدر المحتوم في المشهد اليمني.
لا أحد يملك حلًا سحريًا لوقف هذا التدهور، بل إن الكثيرين باتوا يتعاملون معه كأمر واقع ومُسَلَّم به، يصل إلى درجة التقبل والمسايرة، دون اتخاذ قرارات عقلانية لإصلاح شؤون الحياة اليومية، ما أشعل اليأس والإحباط في نفوس الجميع.
شخصيًا، أرى في هذا التدهور الكبير في دور الدولة حافزًا مهمًا يدفع اليمنيين إلى التفاعل بجدية مع التحديات العالمية الراهنة.
فنحن، بحكم ظروف الحرب وعدم الاستقرار، الأكثر تضررًا من هذه التحديات. العالم اليوم يواجه تضخمًا عالميًا وأزمة مناخية تطحن الشعوب وتدفع باتجاه حلول استثنائية قد تكون مكلفة، لكنها ضرورية وخيار لا بديل عنه لاستمرار وجود الإنسان على هذا الكوكب.
الانفجار السكاني، وشح الموارد الطبيعية، وشروط معالجة أزمة المناخ، بالإضافة إلى الحروب والظروف السياسية غير المستقرة، جعلت حياة الإنسان أكثر صعوبة، وستزداد صعوبة في المستقبل.
هذا ليس مجرد تخمين، بل هو ما تؤكده كبرى مراكز الأبحاث الاقتصادية والسياسية في العالم.
منذ العام 2011م، تعرض قطاع الطاقة في اليمن للكثير من الاختلالات. اتجه المواطنون إلى حلول بديلة عبر المولدات الكهربائية، الأمر الذي أدى بدوره إلى أزمة أخرى في المشتقات النفطية. وهنا برزت أجهزة "الطاقة الشمسية" كبديل وخيار لا بديل عنه، رغم تكلفتها العالية وقلة مردودها مقارنة بالمولدات التقليدية. وصل الأمر بالبعض إلى السخرية من اتجاه اليمنيين نحو الطاقة الشمسية، قائلين إنهم "عادوا إلى عبادة الشمس!".
لكن العديد من الخبراء يرون أن هذا الوضع أفضل بكثير من استهلاك الوقود الأحفوري، المسبب الرئيسي لظاهرة الاحتباس الحراري التي تهدد كوكبنا الأزرق الجميل بالمزيد من الكوارث، لا قدر الله. هذا يجعلنا ملزمين بتكريس هذا الخيار وتشجيعه ومنحه طابع الاستدامة.
في الساحل الغربي، نجد نائب رئيس مجلس القيادة- قائد المقاومة الوطنية ورئيس مكتبها السياسي طارق صالح، وهو رجل مهتم بإصلاح حياة الناس. هذه سمة شخصية أعرفها عنه عن قرب، سواء في مسيرته المهنية كقائد عسكري في وحدات الحرس الجمهوري، أو كإداري في مؤسسة الصالح وجامع الصالح، الذي أصبح في عهده قلعة للعلم الشرعي المعتدل ومحاربة التطرف الديني.
لهذه الأسباب؛ وجدناه الأكثر حرصًا على توظيف الموارد وتوجيهها نحو المصادر البديلة للطاقة بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
هذا التوجه ينبغي أن يكون مصدر إلهام لليمنيين اليوم في صياغة خياراتهم المستقبلية وتوجيه حياتهم التوجيه الأمثل نحو الاستدامة واستغلال الموارد. يجب أن نتخلص من أنماط التفكير المنغلقة التي ترى أن "الدولة" هي الأم الرؤوم التي ينبغي أن تفي بكل احتياجات مواطنيها. لقد انتهى ذلك الزمن وولى إلى غير رجعة، وأصبحت البشرية تخوض التحدي الأكبر والأشرس في تاريخها.
قد يبدو موضوع المقال بعيدًا عن سرب الكتابات المهتمة بمعالجة الأوضاع السياسية، لكنه في الحقيقة الأجدر بالاهتمام. فحتى لو استقرت الأوضاع، ستبقى التحديات المناخية هي الأهم والأكثر مصيرية لحياة الناس على المدى الاستراتيجي القريب والبعيد.