عمر حسن يكتب لوكالة "2 ديسمبر ":تبخر المساعدات.. اليمن كمرآة لفشل الإغاثة العالمية
منذ عام 2015، ضُخت قرابة 20 مليار دولار أمريكي كمساعدات من المانحين الدوليين لليمن بغرض احتواء أزمة إنسانية عُدّت الأسوأ عالميًا؛ لكن بدلًا من أن تكون هذه الأموال بلسمًا لجراح اليمنيين، تبخر الكثير منها في متاهات الفساد، تاركةً الملايين يواجهون مصيرهم مع الجوع وشبح المجاعة في بلدٍ أغلب سكانه يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة.
الأرقام الموثقة من الأمم المتحدة تتحدث عن 19.5 مليون شخص بحاجة للإغاثة في 2025، بينما لم تصل هذه المساعدات العام الماضي سوى لـ8 ملايين، فكيف تحولت المساعدات من أداة إغاثة إلى وقود للأزمة؟
التقارير المتواترة في اليمن صادمة، ثمة مساعدات عُثر عليها منتهية الصلاحية داخل المخازن، وأخرى تُباع في المتاجر بدلًا من توزيعها مجانًا، بينما اليمنيون الذين كان يفترض أن يتلقوا الدعم أصبحوا مضطرين لشراء ما يُفترض أن يكون حقًا لهم، وهذه الظاهرة صارت معتادة ويمكن ملاحظتها في كل الأسواق.
والأدهى من ذلك، إقرار برنامج الأغذية العالمي في عام 2021 بأن يمنيين يضطرون لأكل أوراق الشجر تحت وطأة الجوع، في دلالة واضحة على تفاقم الأزمة وفشل آليات الإغاثة في الوصول إلى المحتاجين، وهو ما يعكس حجم المأساة التي يعيشها السكان وسط انهيار النظام الغذائي وتدهور سبل العيش.
في 2025، تقلص تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة إلى 132 مليون دولار فقط من 2.48 مليار مطلوبة، بسبب ما يمكن أن نسميه فقدان ثقة المانحين، وأيضًا نشوب أزمات أخرى استحوذت على الدعم الدولي.
الولايات المتحدة، التي ساهمت بـ6.5 مليار دولار منذ 2015، أوقفت دعمها الذي كان يشكل 31% من التمويل الدولي- بعد قرار ترامب بوقف المساعدات الخارجية- دون أن يرى اليمنيون أثرًا ملموسًا لهذه الأموال التي تهدر بشكل لا يتوافق مع ما ينبغي أن يكون، ولذلك استمرت الفجوة في الاتساع ومضى الجوع ينهش المزيد من المحرومين.
هذا الفساد المستشري تقف وراءه عديد من العوامل، في مقدمتها غياب الرقابة الفعالة، حتى إن منظمات الإغاثة نفسها تتغاضى أحيانًا عن السطو على المساعدات لأسباب غير مفهومة كما هو الحال في موقفها مع اعتقال موظفيها والزج بهم في السجون، والمحصلة نتائج مروعة وصادمة تنعكس على واقع اليمنيين المثخنين بظروف الحرب.
اليونيسف تؤكد أن اليمن يسجل أعلى معدلات الجوع عالميًا، مع 2.7 مليون طفل يعانون سوء التغذية الحاد، وطفل يموت كل 13 دقيقة بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، أما النزوح لم يعد مرتبطًا بالحرب فقط، بل بالبحث عن سراب المساعدات وسط تدهور اقتصادي غير مسبوق. يضطر اليمني للانتقال من مكان الى آخر جريًا وراء سلة غذاء كان يفترض أن يحصل عليها دون عناء.
كانت دول الخليج قد أدركت فيما يبدو أن الاستمرار في ضخ الأموال كتمويل للمنظمات الدولية غير مجدٍ ولا بد من إيجاد سبيل آخر لدعم اليمنيين، لذلك أحجمت عن هذه التمويلات وفضلت أن توجه مساعداتها عبر هيئات تابعة لها، وهذا ساهم إلى حد كبير في مكافحة الفساد.
لقد استطاعت جهات مثل مركز الملك سلمان والهلال الأحمر الإماراتي والجمعية الكويتية للإغاثة أن تنجز مشاريع لمس نفعها الناس، تنافس مشاريع المنظمات الأممية، أنشأت مساكن للنازحين وشيدت مشاريع في مجال البنية التحتية، التعليم والطرق والمياه وغيرها، وهذا ما يؤكد فاعلية الرقابة المباشرة في تحجيم ومحاصرة الفساد.
لقد باتت الحاجة اليوم ملحة لتغيير هذا النمط الذي لم يؤدِ الى نتيجة ملموسة، فبدلًا من التركيز الحصري على المساعدات الغذائية المؤقتة، يجب توجيه الجهود نحو مشاريع تنموية مستدامة، كإعادة إصلاح البنية التحتية ودعم الزراعة المحلية، لتقليل الاعتماد على الإغاثة الخارجية، مع فرض رقابة دولية صارمة ومستقلة على توزيع المساعدات، واستخدام تكنولوجيا تتبع مثل "البلوك تشين" لضمان الشفافية.
يبدو مستقبل الإغاثة في اليمن قاتمًا وسط هذه الظروف، فقد يجد اليمنيون أنفسهم أمام هاوية جوع مرعبة. حاليًا يشهد التمويل الدولي تراجعًا حادًا ومقلقًا، بينما تتواصل حملات اعتقال موظفي الإغاثة في شمال البلاد، وتُسجل حالات وفاة موظفين أمميين في سجون بصنعاء وصعدة. ومع القيود المفروضة على تحركات فرق الإغاثة في الميدان والتعقيدات اللوجستية، فإن النزر القليل من المساعدات الذي كان يصل سابقًا بات مهددًا بالتلاشي، مما يترك اليمنيين عرضة للاستسلام لشبح الجوع الذي يخيم على حياتهم.
في واقع الأمر، يمكن الجزم أن الفساد في المساعدات باليمن لم يعد مجرد مشكلة محلية، إنما صار بمثابة تحدٍ عالمي يتطلب تعاونًا جادًا ومشتركًا بين المانحين والمنظمات الدولية واليمنيين أنفسهم، والخروج من دائرة الصمت حيال هذه الممارسات والإخفاقات، حتى لا تظل المساعدات بمثابة أداة للاستغلال بدلًا من الإنقاذ، ويستمر الجوع في لي حباله على أعناق ملايين الجوعى في هذا البلد.