تقرير| زيارة غروندبرغ لصنعاء.. محاولة لإحياء مسار السلام أم تكتيك إيراني جديد؟
شكلت زيارة المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، إلى صنعاء مفاجأة في توقيتها، حيث تأتي بعد انقطاع دام عامين عن زيارة العاصمة المختطفة، وفي فترة تشهد تصعيدًا حوثيًا للاعتداءات على السفن التجارية في البحر الأحمر وارتفاع في وتيرة الهجمات الإسرائيلية على المنشآت الحيوية في اليمن، فضلًا عن الهجمات الأمريكية المتواصلة.
هذا التوقيت بالذات أثار تساؤلات عديدة حول دوافع هذه الزيارة وأهدافها الحقيقية، خاصةً وأن مسار السلام يعيش حالة جمود ومن الصعب العودة إليه حاليًا بإقرار الوسيط الدولي ذاته، في ظل التعقيدات المتزايدة للأزمة اليمنية، وتأثير التطورات الإقليمية والدولية، بما في ذلك انكماش وهزيمة المشروع الإيراني في مناطق أخرى مثل سوريا ولبنان.
المثير للاستغراب هو أن المبعوث الأممي، الذي كان قد تحدث أمام مجلس الأمن الدولي قبل أسابيع عن استحالة تطبيق خارطة الطريق في اليمن في ظل الظروف الراهنة، يعود الآن لحث مليشيا الحوثي على التفاعل المثمر مع جهود السلام رغم إدراكه وخبرته الطويلة بمراوغاتها، وهذا التحول المفاجئ دفع مراقبين إلى الاعتقاد بأن هذه الزيارة قد تكون مدفوعة برغبة إيرانية في إنقاذ وكلائها في اليمن من مصير مجهول.
يُلاحظ أن زيارة غروندبرغ سبقتها تصريحات متكررة من قيادات في مليشيا الحوثي، بما في ذلك منتحل صفة وزير الخارجية في حكومة المليشيا، جمال عامر، الذي تحدث أكثر من مرة عن استعداد المليشيا للتوقيع الفوري على خارطة الطريق.
يرى سياسيون أن هذه التصريحات تعكس مخاوف حقيقية تعيشها المليشيا المدعومة من إيران، في ظل الضغوط الداخلية والتحديات الخارجية المتزايدة، ويبدو أن المليشيا تحاول استثمار الوقت عبر الإيحاء برغبتها في إحياء مسار السلام، بنفس الطريقة التي اعتادت عليها في الماضي، حيث كانت تلجأ إلى المفاوضات للخروج من الأزمات التي تخنقها.
مع ذلك، تشير مصادر سياسية إلى أنه لا يمكن الجزم بإمكانية نجاح هذه التحركات، كونها تأتي في اتجاه معاكس للتوجه الدولي الحالي، الذي يعتمد على استراتيجية "بتر أذرع إيران" في المنطقة وإنهاك مليشيا الحوثي، خاصةً بعدما تغير موقف المجتمع الدولي من الوضع في اليمن.
فبعد أن كان المجتمع الدولي يدفع بقوة نحو توقيع خارطة الطريق قبل أكثر من عام للوصول إلى سلام شامل، أصبح الآن أكثر حذرًا في التعامل مع مليشيا الحوثي- التي أدرك أنها لم تعد خطرًا محليًا، بل تهديدًا إيرانيًا يمس المصالح الدولية في أحد أهم المضايق المائية- ويفضل خيار القوة، وهو الخيار الذي تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية ظاهريًا من خلال ما يُعرف بـ"تحالف الازدهار".
ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذا التحالف يفتقر إلى استراتيجية فعالة لإضعاف وكلاء إيران في اليمن، مما يثير الشكوك حول نيته على تحقيق نتائج ملموسة على المدى الطويل.