تقرير| تفجير دار الرئاسة.. كيف غيّر الإرهاب مسار اليمن؟
قبل ثلاثة عشر عامًا، اهتزت أركان الدولة اليمنية بعمل إرهابي غادر وغير مسبوق استهدف مسجد دار الرئاسة في أول جمعة من رجب الحرام، مخلفًا جرحًا غائرًا في جسد الوطن، ومؤذنًا بمرحلة جديدة من العنف، الذي ما زالت آثاره تلقي بظلالها على حاضر اليمن ومستقبله حتى اللحظة.
لم يكن التفحير الإرهابي متوقفًا عند محاولة اغتيال رئيس الجمهورية آنذاك، علي عبدالله صالح، وكبار المسؤولين في الدولة، بل كان استهدافًا ممنهجًا لرمز الدولة وشرعيتها أولًا، وثانيًا إطلاق شرارة أشعلت فتيلًا من الفوضى والإرهاب الذي استغله النظام الإيراني الذي كان يُعد عدته داخل اليمن من جبال وكهوف صعدة بمليشيا الحوثي الإرهابية، إلى أن أتته فرصة لم يحلم بها، إلا أن أرباب الجريمة الغادرة أهدوه إياها على بركة من دماء الشعب اليمني.
وقع الهجوم الإرهابي في يوم جمعة مبارك؛ في أول جمعة من شهر رجب، مستهدفًا جموع المصلين في دار الرئاسة وفي مقدمتهم: رئيس الجمهورية؛ ليكشف عن حجم المؤامرة التي كانت تُحاك ضد اليمن واستقراره وإسقاط الدولة، وليس إزاحة شخص الرئيس وإسقاط النظام.
لقد شكل هذا الهجوم الإرهابي نقطة تحول خطيرة في تاريخ اليمن المعاصر، حيث فتح الباب على مصراعيه أمام تصاعد العنف والإرهاب، ومهّد الطريق للمخطط الإيراني الذي سارع في استغلال ضعف الدولة وحالة الانقسام والفراغ السياسي الذي خلفه الهجوم الجبان وأدى إلى خلق انقسامات مدمرة وعودة شبح التفكك الذي عانى منه اليمن لعقود طويلة.
ورغم جسامة الجُرم، تعامل رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح والقيادة السياسية آنذاك، بأعلى درجات الحكمة، وحرصوا على تجنب الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة، لقد آثروا المصلحة الوطنية العليا على أي رد فعل انتقامي، مدركين خطورة المرحلة وحساسيتها.
واليوم، وبعد مرور سنوات على هذا الجرم الغادر، يظل من الضروري استحضار هذه الذكرى الأليمة، واستخلاص الدروس والعِبر منها كضرورة لمواصلة معركة استعادة الدولة وعاصمتها التاريخية صنعاء ودفن خرافة الولاية، وهو ما يتطلب من مختلف القوى، ومن باركوا وهللوا ذات يوم، إدانة هذا العمل الإرهابي بكل وضوح ودون مواربة أو تردد، وضمان عدم إفلات المتورطين من المحاسبة طال الزمن أم قصر.
لم يرفع الزعيم علي عبدالله، رئيس الجمهورية آنذاك، سلاح الدولة في وجه أرباب الجريمة، وكان قادرًا، ولكنه رفع سلاحه الشخصي بعد ذلك في وجه من استغل تداعيات الجريمة (مليشيا الحوثي الإرهابية)، ودفع روحه ثمنًا لمعركة متواصلة لن تتوقف حتى استعادة الدولة.
اليمن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى التكاتف والتلاحم لمواجهة التحديات الجسيمة التي تواجهه، وتجاوز الماضي المؤلم يتطلب المصارحة والمصالحة، والعمل المشترك لبناء مستقبل أفضل لليمن، مستقبل يسوده الأمن والاستقرار والازدهار، وهذا يحتم على الجميع إدانة الإرهاب بكل أشكاله وصوره، والوقوف صفًا واحدًا ضد قوى الشر والظلام، باعتبار ذلك السبيل الوحيد لحماية اليمن وبناء دولته الحديثة القائمة على العدل والمساواة وسيادة القانون.