أودت الذكرى الثانية والستون لثورة الـ26 من سبتمبر بمئات الأحرار في السجون على يد مليشيا الحوثي التي استنفرت في مناطقها واستفحلت في قمعها، متخذة من كل ملمح سبتمبري ذريعة للاعتقال، ومتوحشة ضد مختلف فئات المجتمع، ومعادية للذكرى ورجالها وعلمها الوطني كسقوط جلي في براثن الكهنوت وطرائق حكمه.

حتى اللحظة لم تنقطع أخبار معرفة أسماء الشخصيات المعتقلة، وبعضها مختفية دون ذكر خبر اعتقالهم أو التعرف على سجونهم، ولا تعرف أسرهم سبب اختفائهم.
الأمر المختلف مع هؤلاء المعتقلين أنهم ليسوا من النخب ولا من الأسماء المشهورة، وغالبيتهم من عامة الناس والبسطاء الذين كانت تهمتهم رفع الأعلام أو الاحتفاء بسبتمبر على طريقتهم الخاصة المعتادة، مستبعدين أن تكون تلك الثوابت الوطنية رذيلة جسيمة ستزج بهم في المعتقلات الحوثية بتهمة زعزعة الأمن وخيانة الوطن.

وحدها محافظة إب المدينة والريف بمختلف شوارعها ومديرياتها عاشت ليلة 26 سبتمبر بشكل مرعب، شلت فيها الحركة وغيم عليها كابوس سلالي موحش، مُلئت المدينة بعشرات الأطقم والمسلحين الحوثيين المنتشرين في الشوارع والجولات والأزقة والأحياء السكنية والأسواق العامة، حتى غدا ذلك الانتشار تأهباً لبدء معركة فاصلة مع السكان، رغم التزام العامة الحذر وتجنب التصادم معه، والبقاء في المنازل من قبل المغرب، القليل من الشباب المتحمس لثورته هم من تمردوا على ذلك الطوق الأمني والقبضة الحديدية للمليشيات فكان اعتقالهم سهلاً والتقاطهم فرداً فرداً لمجرد خروجهم إلى الشوارع حتى وإن كانوا لا يحملون الأعلام أو تثبت إدانتهم بإحياء الذكرى.

حتى مديريات إب نالت حظها من ذلك الجنون الحوثي الذي جعل أطقمه العسكرية وكافة أجهزته الأمنية طيلة ليلة سبتمبر تمشط الطرقات والقرى وتطفئ إشعال حتى عود كبريت في أية قرية أو جبل، ويتقافز الجنود صوب أي نار تشتعل لاعتقال المجاورين لها كمتمردين وعملاء للعدوان والغرب.

خلاصة القصة السبتمبرية المأساوية أن المئات من أبناء إب بشكل خاص وبقية المناطق الحوثية بشكل عام ما يزالون قابعين في السجون، يتلقون فيها أبشع وسائل التعذيب وانتزاع اعترافات بالقوة بالعمالة لأطراف خارجية جندتهم ضد الحوثي. هكذا يتم إخراج الفيلم السلالي الصادر ليلة 26 سبتمبر.

كنا نظن أن ما قامت به المليشيات حينها مجرد حماقة عابرة وسخافة لحظية ستزول في مدة وجيزة، وسيعود كل المعتقلين إلى أهاليهم بعد أيام قليلة، لكن هذا الظن خاب، وبدت الصورة أعتم مما في خيالاتنا عن هذه العصابة الإجرامية التي زيفت كل الحقائق وقلبت كل الموازين ونسفت كل النواميس الإنسانية والأخلاقية وغيرت المفاهيم التاريخية والثوابت الوطنية كاقتلاع للهوية واجتثاث للروابط بين المجتمع والجمهورية، ومصادرة الحريات والأمجاد الثورية باعتبارها رذائل وانحرافات عن الاستقامة الدينية والاجتماعية.

عن أية هوية طائفية وثقافة سياسية يتم إحلالها من قبل الحوثي ليعتنقها اليمنيون رغماً عنهم وغسل أدمغتهم وسلوكياتهم من مظاهر الجمهورية ونعمها الوطنية لتبدو كخطايا، واحتضان القيم المنحطة والطقوس الغابرة كفضائل وسمات مثالية ينبغي تمثلها قبل فوات الأوان والتطهر من زلات العهد الجمهوري وأخطائه التي لا تُغتفر.

لا بدَّ من الضغط الدولي على المليشيات لإطلاق سراح السبتمبريين الأحرار الذين اُعتقلوا من قِبل مرتزقة طهران وخونة مران.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية