يبدو واقع المعلمين في اليمن، أحد أكثر صور مأساة الانقلاب الحوثي قتامة؛ فعلى مدى تسع سنواتٍ تشكلت خارطة معاناة هي الأسوأ، يعيشها نحو 245 ألف معلم يقبعون في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية الإرهابية بلا أفق للخلاص ولا بوادر للأمل، مثلهم مثل عشرات آلاف الموظفين الذين تسلب مليشيا الحوثي حقهم في الحياة الكريمة.

والأكثر مأساوية في هذا المشهد المليء بصورِ المعاناة، أن هذا العدد الكبير من المعلمين، يواجهون، جراء استمرار المليشيا الحوثية في نهب رواتبهم منذ تسعة أعوام، ظروفاً غاية في القسوة، وهم يكافحون وسط حالة من اللا أمل لتأمين متطلبات الحياة لعائلاتهم التي باتت تعيش في دوامة جحيم الانقلاب دون أن تجدَ حتى ما يكفيها من الطعام.

وتعمدت مليشيا الحوثي حرمان المعلمين من رواتبهم بالاستحواذ عليها ونهبها، كما هددت كل من يتخلف عن مواصلة دوره الوظيفي بالفصل والاستبدال، وهي خطوة تجسد نهج العمل بالسخرة الذي كان سائدًا في عهد الإمامة الغاربة، بحيث تفرض على المعلمين جبرًا أن يعملوا مرغمين ببطونٍ خاوية دون أن تعطيهم حقهم المكفول ليؤمّنوا لقمة عيش كريمةٍ لهم ولأسرهم.

ولطالما ناشد المعلمون لمنحهم حقوقهم والتوقف عن سلبها حتى يستطيعوا بناء سياجٍ من الكرامة في مواجهة شراسة الجوع، غير أن المليشيا التي اعتادت على الاستثمار في الأزمات، لم تُعر هذه الدعوات اهتمامًا، وظلت تتجاهل المطالبات المستمرة من المعلمين حتى ضاق بهم الحال ذرعًا فأعلنوا الإضراب وخرجوا للاحتجاج ضد سياسة الظلم الممنهجة التي تطالهم.

واختطفت المليشيا الإرهابية عشرات المعلمين خلال موجة احتجاج واسعة شملت مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرتها في الفترة الماضية، بعضهم ما زالوا حتى الآن رهن الاختطاف، وسط تهديدات علنية أطلقتها قيادات حوثية، وأخرى مُررت بالسر لعائلات المعلمين المحتجين لإجبارهم على التوقف عن المطالبة بحقوقهم المشروعة، والعودة إلى منازلهم للانزواء في زاوية الجوع وانتظار قدوم الموت.

وكانت المفاوضات السياسية على وشك أن تعالج هذه الأزمة، من خلال إجراءات بناء الثقة المتفق عليها، والمتضمنة في بنودها الرئيسية صرف رواتب الموظفين (بما في ذلك المعلمين) إلا أن المليشيا قطعت الطريق أمام هذه التدابير الإنسانية؛ فضاعفت معاناة المعلمين الذين كانوا يترقبون انفراجة تزيح ثقل الهموم من كواهلهم.

وكانت نقابة المعلمين قد ناشدت، في بيان لها تزامنًا مع اليوم العالمي للمعلم، الذي يوافق اليوم الـ5 من أكتوبر، الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للضغط على مليشيا الحوثي الإرهابية بإطلاق رواتب منتسبيها المنهوبة.. مؤكدةً أن حال المعلمين في المناطق المنكوبة بسيطرة هذه الجماعة الكهنوتية قد "تجاوز خط الفقر إلى خط القبر".

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية