رحيل لا ينتهي.. في الذكرى الأولى لوداع كمال الردمي
عام مضى، يا صديقي العزيز، وما زلنا نبحث عن إجابة لأسئلتنا:
لماذا لم ترحل بصمت كغيرك؟ لماذا ترك رحيلك كل هذا الألم الذي يشق قلوبنا كل يوم؟ لماذا تتجدد ذكرى رحيلك كل لحظة ولا نجد السلوان؟
عام، وما زال الجميع غير قادر على تصديق رحيلك من هول الصدمة، رغم أنها الحقيقة الموجعة.
عام كامل، ولا يزال نبأ رحيلك يهز مشاعرنا كالصاعقة، ويوقظ في قلوبنا أحزاناً عميقة، كأنها طعنة متجددة.
عام كامل، وما زالت أعيننا تذرف الدموع على فقدانك، ولم يستطع الوقت أن يخفف وطأة الحزن.
عام مضى، وحزنك ما زال يثقل كاهلنا، يرافقنا كظلنا.
كان وجودك، يا صديقي، يضيء فينا شعلة الحياة التي كدنا ننساها وسط دخان الإمامة الكهنوتية، التي تسللت في لحظة هفوة من الزمن، لتسلبنا-خاصة جيلنا- الحياة خدمة للأيادي الشيطانية، أعداء الله والشعب والأمة.
رحيلك أشبه بلصٍ متربص، جاء ليسلبك منا، ويتركنا في مواجهة شتات الروح وفقدان المعنى.
علمنا رحيلك أن نستغل كل لحظة، وأن نعود إلى قيم الأخوة ونترفع عن الصغائر.
علمنا أن طريق العودة إلى الديار أهم من الغرق في تفاصيل الفقد وضياع الوقت في الأمور الفارغة.
رحلت، لكن روحك ما زالت تحلق فوقنا كالحمام، تذكرنا بمكانك الذي لم يعد كما كان.
رحل جسدك وبقيت روحك معنا، كلماتك وتنبؤاتك التي تتحقق الآن أمام أعيننا، وكأنك جئت إلى هذه الحياة لتخبرنا بأن الموت يسرق كل شيء، فلا تسرفوا في الحب.
المكان الذي كنت تجلس فيه محاطاً بمن أحبوك، فارغ الآن، لكنه ممتلئ بالحنين.. حتى الأطفال لا يزالون ينظرون إلى صورتك، ويتحدثون كيف كنت حنوناً معهم وكنت تسعى إلى زرع قيم الحب والتآخي فيهم.
لقد كنت دائمًا مبتسماً، ضحوكًا، تنشر السعادة أينما ذهبت. ورغم كل ما مررت به، كانت كلماتك الختامية دائماً تردد: "إيش به؟"
تلك العبارة التي تحمل فلسفتك الخاصة والعميقة التي تعني: لا داعي للركض والتعب، فالحياة قصيرة، والموت آتٍ لا محالة.
نم، أيها الصديق المتعب، لقد أثقلت الحياة كاهلك بما لا تستحق، وحملنا رحيلك ما لا نستحق أيضاً.
نم، ربما تجد الراحة التي لطالما حُرمت منها؛ فالله يختار الطيبين أمثالك بعناية، ليخبرنا أن مكانك ليس هنا في هذا البؤس.
نم يا صديقي، فسنظل نحتفظ بك في قلوبنا للأبد، وستظل خالداً في الذاكرة.