تريثت أياماً خلال إحياء الذكرى الثانية والأربعين لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، أتأمل موقف الشارع اليمني بمختلف أطيافه ومكوناته السياسية وقياداته الفاعلة ونخبه وناشطيه ومثقفيه، ولفيف كبير من الجماهير الشعبية؛ فوجدت تغيراً ملحوظاً ووعياً مختلفاً وإنصافاً عقلانياً وتقديراً إيجابياً قائماً على الثقة واليقين بهذا الحزب، والنظر نحوه كحزب رائد وعمود أساسي في الحياة السياسية اليمنية.

لا شك أن المصير المشؤوم الذي نقبع وسطه غَيَّر رؤيتنا للمشهد السياسي اليوم، ويتيح لنا فرصة لإعادة النظر في كيفية استعادة البوصلة، واستئناف التلاحم الوطني والحزبي، وتوقع خلق قوى جديدة مؤثرة في زحزحة تعثرات اللحظة وتعقيدات المرحلة.

فاستعادة المؤتمر الشعبي العام لدوره ومكانته في الساحة اليمنية باتت ضرورة وطنية وتداعياً منطقياً تفرضه معطيات الوقت الراهن التي تستدعي حضور هذا الحزب، وإعادة تنظيمه وإشراكه في المشهد والثقة بإسهامه في مواجهة التحديات الراهنة، فهو صاحب خبرة وريادة وفيه كوادر وقيادات قادرة على تحريك المياه الراكدة وتغيير الخارطة السياسية المتأزمة.

غدت مختلف القوى الوطنية والحزبية اليوم في خندق واحد لاستعادة الجمهورية المستلبة، الجمهورية التي تضمنت المرحلة الديمقراطية والعمل الحزبي والأجواء السياسية التي أتاحت التنافس والتعايش وحرية التعبير دون قمع أو استحواذ صوت منفرد بالسلطة؛ بل كان التمثيل والمشاركة في العمل السياسي والقيادي والإداري متاحاً ولو بصورة نسبية معقولة جداً بالنسبة لبنية اليمن المعقدة سياسياً واجتماعياً وثقافياً، والتي يمكن اعتبارها تجربة سياسية ناجحة ومرضية مقارنة بعمرها السياسي وعوائق إفشالها وانزلاق مسارها الذي كان من نتائجه عودة الإمامة بنسختها الحوثية.

المؤتمر حزب وطني جمهوري رائد، ويُعد جزءاً لا يتجزأ من التاريخ السياسي اليمني، ورجالاته وكوادره اليوم يحتلون أعلى المناصب في السلطة الشرعية المعترف بها دولياً، وعليه فإن محاولة إعاقة وتجميد هذا الحزب أو إلغاء فاعليته أو النظر إليه كخصم سياسي بمثابة عمى سياسي وجحود وطني ورؤية قاصرة ساذجة لا تعي حجم التحولات، ولا تمتلك وعياً حقيقياً منبثقاً من ماهية منطق اللحظة، وحتمية الجغرافيا وقراءة التاريخ السياسي، وفهم تموضعات العملية السياسية اليمنية وتوافقات مكوناتها وشعبية كياناتها، فالجماهير الشعبية لا تفقه التنظيرات الميتافيزيقية المثالية وإنما تطمح إلى أفعال وخدمات واحتياجات معيشية كانت تلمسها وتعهدها في ظل حكم هذا الحزب.

أقول هذا ولستُ منتمياً لهذا الحزب أو منحازاً له أو لسواه، وإنما أقرأ المشهد السياسي عن كثب بمنطق وربط الحقيقة بين التداعيات والنتائج وتأثير الديماغوجية اليمنية التي شكلت التجربة السابقة قبيل العقد السلالي الحالي.

فأنا لا أتوهم هذا التصور، لكن الشارع اليمني قدم هذا كموقف ورأي عام في ذكرى التأسيس بكل وضوح ويقينية متجاوزاً كل الأحقاد العاطفية، يفكر بعقل سياسي منطقي يسعى للمصلحة الوطنية ويسلك سبل تحقيقها واقعياً.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية