بعد عقد متخم بالتناقضات والسياسات الدولية المتشعبة تجاه اليمن تمَّ رفع العقوبات عن أحمد علي ووالده الشهيد رئيس الجمهورية الأسبق ، لكن هذه الإزاحة المتأخرة كشفت بعد إعصار من الأحداث والتحالفات والتغيرات عن تشكُّل وعي سياسي مغاير ورؤية وطنية أكثر حنكة ومعقولية تسود الوسط السياسي اليمني متخلية عن قصور التقدير وحقد التشخيص والرؤى الضيقة التي جلبت السوء لليمن طيلة هذا العقد وتاهت إرادته بين خصوم كثر وأطماع أكثر حتى انزلق في التيه.

كان يتوقع البعض أن العميد سيعلق على قرار الرفع بخطاب ارتجالي شخصي ينحصر في دائرة الانتقام والثأر بعيداً عن معترك معطيات المشهد السياسي اليمني وشبكته المترابطة بين سياسات داخلية وخارجية ورؤى إقليمية ودولية، وأنه في طريق تخليص الخصوم، لكنه خيب كل التوقعات الحمقاء ونسف كل التخيلات البلهاء وقدم خطاب شكر ينم عن وعي حكيم وفهم متجذر للفعل السياسي وماهية أحداثه، فكان عليه أن يبدو جزءاً من هذا الفعل لا متمرداً عليه، وأن ينأى بنفسه عن وحدانية الموقف وذاتية التفكير، على العكس قدم شكره لمن أسهم في صنع قرار الرفع سواءً كانت دولاً شقيقة كالإمارات والسعودية أو الحكومة الشرعية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي وأعضائه أو رئاسة الحكومة ووزير خارجيتها، وتأكيد جهود نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح  التي حركت هذا الملف وعملت على إنجاحه منذ البداية.

وفي ثنايا شكره أبدى طموحه في تمني يمن متماسك وآمن ومستقر وسلام دائم، نافراً من مسالك الحرب ونتائجها المريعة التي أوصلت اليمن إلى تمزق وحدتها الوطنية وانزلاق مكانتها وقيمها الوطنية، وهذه الأمنيات تنطلق من طبيعة الرغبات التي تطمح إليها قوى الداخل والخارج وتنشدها التعقيدات التي سئمت من قطعها طريق السلام والغرق في مستنقع الحرب.

الأمر الآخر الذي أدهشني في السياق هو تدفق التهاني والتبريكات التي رحبت بهذه الخطوة، واستحسنت هذا الإجراء سواءً من الجانب الرسمي الحكومي مجلس القيادة والحكومة اليمنية ومجلس النواب والشورى، أو الجانب غير الرسمي كالأحزاب والتشكيلات السياسية والقيادات العسكرية والمدنية، وجمع غفير من أبناء الشعب، فكانت ردود الأفعال الإيجابية هذه كاشفة عن رقي الوعي السياسي اليمني واستيعابه مخاطر التشظي والأحقاد الدائمة التي لا تناسب معطيات اللحظة ولا تزيدها إلا انقساماً وخيبة، بينما تجلب وحدة الصف الوطني الثبات والتماسك وتدفع بدفة الوطن إلى خلاصه من بؤسه وبُعده عن التفكك والمشاريع التجزيئية التى أنهكته فيما مضى، وليس بمقدوره البقاء داخل بوتقة تلك الدائرة الضيقة.

ولست هنا أثبت موقفاً للتأييد أو الرفض وإنما أبدي إعجابي إزاء هذه العقلانية المنطقية التي اتسم بها الوعي السياسي مع هذا الحدث، وكيف يمكن أن يكون لها إيجابيات مستقبلية وإسهامات فاعلة في تخلُّق وحدة وطنية ورؤية سياسية مسؤولة خالية من الحمق والرعونة ومبنية على التشارك ولملمة مختلف القوى اليمنية الفاعلة لتجاوز كل تلك التعقيدات التي أعاقت الفعل السياسي وجمدت فاعليته، والتخلص من أحقاد الماضي وأخطائه القاتلة والتفكير بجدية تجاه وضع وطني مستقر في المستقبل.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية