تبخترت المليشيات الانقلابية اقتصادياً، وغردت خارج السرب وحيدة، متجاهلة تبعات التشظي الاقتصادي الذي أحدثته، والتأزم المالي الذي جلبته تعسفاتها في القطاع المالي والمصرفي في اليمن، وحين قوبلت بالمثل جُنّ جنونها وبدت مسعورة تفكر بتهور، وتلوح بتهديد الضعيف المنكسر الذي فقد كل أوراق القوة المتوهمة.

برز المعبقي كبطل جمهوري قذف حجرة في المياه الراكدة فبلغ الموج أشده، وعرف كل طرف حجمه، ومدى قوته.. حزمة قرارات غيرت مجرى الصراع وأفاقت الجماهير من السبات ووضعت الطرفين في مأزق، وكشفت اللعبة ومصدر التحكم فيها، ومنحت الشرعية موقفاً حازماً للتفاوض وإظهار المسؤولية الوطنية في لحظة حرجة جداً مع هيجان الشارع اليمني ومساندته الحازمة للمعبقي وإجراءاته الفاعلة.

تجرع اليمنيون، على مدى سنوات، على مضض مرارة التشظي الاقتصادي، الذي فرضه الكهنوت، وآثاره الكارثية على معيشتهم الكسيحة ودخلهم الشحيح حتى بلغت الحلقوم، وكان لزاماً وضع حد لهذا الخسف الحوثي وإعادة الأمور إلى نصابها مع تزايد حدة انهيار سعر العملة وغلاء الأسعار نتيجة تحكم الانقلابيين بهذا الملف وتلاعبهم عن طريق الضغوطات التي يمارسونها على البنوك المنصاعة لتعسفاتهم.

صمت المبعوث الأممي كثيراً إزاء النكبات التي ألحقها الحوثي بالاقتصاد اليمني؛ كمنع تصدير النفط والغاز ومنع تداول العملة الجديدة، وحين عزمت الشرعية على تفادي مخاطر تلك النكبات بقرارات البنك المركزي أظهر انحيازه المقيت وطرح مقترح تأجيل تنفيذ هذه القرارات كإنقاذ واضح للحوثي، وإعاقة تعسفية لتصحيح مسار الصراع مع هذا العدو الأرعن؛ ما هيج الشارع اليمني ودفعه لتأييد القرارات ومساندتها ورفض أي تدخل إجباري خارجي للعدول عنها.

قرارات البنك المركزي شأن داخلي وإصلاح حكومي من خصوصيات الحكومة الشرعية ومعالجتها للملف الاقتصادي، وينبغي عدم الاعتراض عليها من قِبل الأشقاء أو الأصدقاء، وإلا فإن ذلك يثبت انحيازهم المضمر للعدو وتعطيلهم أي خطوة تتخذها الحكومة المعترف بها دولياً لإنقاذ اقتصادها من الانهيار؛ فقد سئمت من المفاوضات البلهاء مع خصم مراوغ لا يأبه لمصالح الشعب ولا يذعن لرغباته في العيش.

الجدير بالذكر أن البنوك الستة التي شملها قرار البنك المركزي بسحب السويفت العالمي الخاص بالتحويلات الخارجية، والتي ما زالت مراكزها الرئيسية في صنعاء، انصاعت لقرار المليشيات بالإغلاق حتى في مناطق الشرعية التي أجبرتها سلطاتها على الدوام بالقوة حتى ترتدع عن تبعيتها لصنعاء، وهذا يؤكد امتلاكها لمئات محلات الصرافة التي تعمل لصالح هذه البنوك وتستنزف العملة الصعبة وتوردها إلى صنعاء عبر هذه البنوك، ما يسبب تدهور سعر العملة الجديدة مقابل العملة الصعبة.

المثير للغرابة أنه عندما استشعرت المليشيات خطر هذه القرارات أوحت لأبواقها الإعلامية والتابعين لها بالترويج ضدها وعدم المساس بالمجال المالي والمصرفي واعتباره شأناً حيادياً كونه يلحق الضرر بالمواطن ولا ينبغي حشره في دائرة الصراع مع المليشيات، وهذا منطق نفاقي باهت؛ لأن هذه الأصوات التي تدعي الحيادية والإنسانية تجاهلت كل التعسفات التي اتخذها الحوثي اقتصادياً وتشطيره إلى جزأين محدثاً بذلك هوة في سعر الصرف بين مناطقه ومناطق الشرعية أثقلت كاهل المواطن وهو يستلم في صنعاء ربع المبلغ الذي يحول له من عدن.

مع المعبقي للنخاع ومع قرارات البنك حتى تلتزم المليشيات بتوحيد العملة وتسمح باستئناف تصدير النفط والغاز وتوافق على صراف رواتب الموظفين، ولا مجال للتراجع أو التنازل عن قرارات غدت مصيرية لا هوادة فيها.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية