وطنيون على حرف
يرى البعض أن الشرعية مطالبة بتطبيق كل ما يراه من وجهة نظره، وهذا أمر متفهم، فالشرعية في النهاية صدى لإرادة الناس ومصالحهم، لكنه لا ينظر إلى ظروف إدارة المرحلة إلا من بوابة المصلحة، فيهزه قرار ويحبطه انكسار، غير مستوعب لتعقيدات الموقف وحجم المشكلة، التي تثبت الأحداث أنها ليست داخلية فقط، بل تتأثر وتتداخل فيها عوامل التوظيف المنافق دولياً لجماعة إرهابية، صُنعت لأهداف لم تكتمل، ومتطلبات تفرضها التزامات الدولة وعلاقتها.
حتى لو ذهبنا إلى تصديق الرواية الأممية عن دورها في اليمن، فقد أثبتت الأحداث أن المجتمع الدولي عجز عن تأهيل الحوثية رغم ضغطه المستمر على الشرعية لتقديم التنازلات، وأنه لا يدرك حجم ما تنتجه الحوثية من انتهاكات وإرهاب إذا أحسنا الظن، وما يؤكد ذلك الفشل والعجز عن إيجاد استراتيجية واضحة لمواجهته، أو قرارات تصب في الاتجاه الصحيح، بل وضف المجتمع الدولي المأساة لإنقاذ المليشيا، وهو ما تشتغل عليه الحوثية جيداً.
إن المعارك الكبيرة بحجم معركة اليمنيين مع السلالة وارتباطها الإقليمي، وتوظيفها الدولي، تحتاج إلى النفس الطويل، إلى قوة وصلابة المواجهة، وقراءة واقعية للأحداث لتحصين الفعل الوطني من السقوط في منتصف الطريق.
تراهن الجماعة الإرهابية على إرادات بقائها، وإلى إحباط من يواجهها، ويخدمها ضعف داخلي، يراد له أن يستمر، وتراهن أيضا على رخويات نخبوية تعمل لصالح مشروعها من حيث تدري أو لا تدري، لتكون جزءاً من آلتها الإعلامية المثبطة، وذات القراءة العبثية التي نتيجتها: الحوثي واقع يجب التعايش معه، دون إدراك أن العنصرية لا تقبل منك إلا أن تكون عبداً في حظيرة تعايشها المرسوم.
الشرعية بمفهومها العام ليست أشخاصاً، ولكنها المقابل الموضوعي لعدم شرعية الوضع بصنعاء، وتبقى الرموز أدوات للحفاظ على الشرعية بذلك المفهوم، قد تنجح أو تفشل، والتصويب المجتمعي مهم وركيزة من ركائز التصحيح والتقويم، دون الوقوع في فخ المساس بالموقف القانوني للشرعية، التي لو سقطت فالبديل حاضر وجاهز.
التنظيم الإرهابي مهما حقق من أهداف، يظل غير شرعي، حتى لو سيطر على الأرض، وكان صوته عالياً، فلن يتحول إلى وضع شرعي إلا في حال الفراغ، ومعركته منذ اليوم الأول اكتساب الشرعية، لكنه ولأنه بلا عقل سياسي، ما يلبث أن ينكشف أكثر، ويسقط أكثر، ويحفر قبره بيده.
لا ندعو إلى تبسيط الأحداث والمواقف، ولا إنكار العثرات والزلات، بل ندعو إلى التسلح بالإيمان بالقضية العادلة، وأن لا تهزنا إخفاقات المحامي، لتسوقنا إلى حالة الإحباط العام، الذي ستكون نتائجه كارثية، وفي مصلحة الخراب الذي يسعى له الحوثي.
مع الدعوة إلى استلهام الأدوار النضالية للأحرار الذين فجروا ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، الذين اشتعلوا من عمق الظلام، وكانوا بضعة أفراد في مواجهة الكهنوت الإمامي، المتسلح بالجهل والجوع والانغلاق التام، وغياب القدرة على التواصل مع الجمهور الغارق في آثار الظلم والمنشغل بالبقاء على قيد الحياة.
وفي الأخير: نحن لا نحارب الحوثي منفرداً، بل نواجه إرادة بقائه، واكتمال أهدافه، وما هو واضح ومؤكد من رغبة دولية في استمراره، وشاء القدر أن يحدث كل ذلك في ظروف إقليمية ودولية تخدم انتفاشته، وهو والله ما يجعل معركتنا هي الأقدس والأنبل، وتستحق منا تماسكاً أكبر وصبراً لا يفل، وإذا كانت الظروف تخدمه، فطبيعته تفضحه، وتحرج حتى أشد المتحمسين له.