الزعيم الصالح والجندي غيلان.. وحكاية المدرسة
شهد الأسبوع الماضي من شهر مايو 2024، نشاطاً تنموياً في مناطق الساحل الغربي يقوده العميد الركن طارق صالح، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي- قائد المقاومة الوطنية، وكان أبرز تلك المشاريع التنموية تشييد منشآت تعليمية ووعود بتحقيق المزيد.
في وقت قياسي، وخلال أشهر تم إنجاز ثلاثة مجمعات تربوية وأوشك تشييدها من الانتهاء في وقت تسير الترتيبات نحو إنشاء جامعة متكاملة في العاصمة المؤقتة للحديدة يتبناها العميد، الذي جعل التعليم في مقدمة أولوياته ومنحها جل اهتمامه.
لم يشهد الوطن خلال عقد من الزمن إنجاز مشاريع تعليمية سوى منشآت بعدد الأصابع، فيما كان للمقاومة الوطنية بصمات بارزة في هذا الجانب خلال العامين المنصرمين، نتيجة التوجه الجاد والرؤية الثاقبة الواعية بأهمية هذا الحقل باعتباره أبرز وأهم المجالات للنهوض بالوطن.
الاهتمام بالتعليم اليوم يستحضر ذلك الزمن الجميل، الذي شهد لحظة انتشال رهيبة للمجتمع اليمني في عهد الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، الرئيس اليمني الأسبق، بعد أن عمل نظام الأئمة على إرساء الفقر والجهل والتخلف.
هنا اسمحوا لي أن أسرد لكم واحدة من النوادر التي سجلها التاريخ الجمهوري مؤكدة حرص الرئيس "صالح" على التعليم، تتمثل في قصة المواطن أحمد عبده فرحان غيلان، من أبناء مديرية عتمة- محافظة ذمار، الذي ما زال على قيد الحياة.. فرحم الله الزعيم وأطال بِعُمر غيلان.
لم يكن صالح، خلال حكمه، ذلك الجنرال المتحجر على حساب جوانب التنمية بمختلف مجالاتها، بل كان حريصاً كل الحرص على التعليم وانتشال المجتمع من بؤرة الجهل ونسبة الأمية المرتفعة.
فيما قدّم غيلان نموذجاً لطالب يحب التعليم ويعشق الدراسة، وغامَر، منذ كان عمره ١٢ عامًا، مُتجشّماً عناء السفر من قريته إلى المدينة، بعد أن أنهى الصف الخامس الابتدائي وعمل في أكثر من مهنة ليواصل تعليمه الذي بدأ تحت الأشجار، ثم التحق في سلك الجُندِيّة بالقوات المسلحة اليمنية.. الجندية التي كانت تُسمّى "مصنع الرجال"، وصادف ذلك الطموح أن يجد غيلان رئيس الدولة وقائد القوات المسلحة أمامه ويتخاطب معه وجهاً لوجه.
ذات مره أثناء زيارة الرئيس "صالح" إلى مدرسة الدفاع الجوي في العام 1989م في العاصمة صنعاء، كان صالح يتمتع بالحكمة والدهاء، حيث كانت نظراته الثاقبة تقرأ ملامح الجنود وتدرك معنوياتهم، فصادفت نظراته أصغر المُجّندين.. فسأله عن السّر الذي دفعه للالتحاق بالجنديّة بهذه السن الصغيرة.. ولماذا يتجند ولا يدرس؟ فأجابه غيلان: "لا توجد مدرسة في بلادنا، طلعت اتجنّد على شان ادرس".. سأله عن منطقته فأخبره عنها.. حينها عرف الرئيس صالح أن هناك مناطق ريفية بعيدة لا توجد فيها مدارس، فوجّه على الفور بأمرٍ خطي أعطاه لذلك الشاب وقال له: "تابع وزارة التربية والتعليم- وكان في ذلك الوقت وزيرها المهندس أحمد الآنسي- لتنفيذ الأمر".. محتوى الأمر تضمّن "تشييد مدرسة في منطقة غيلان بصورة مستعجلة".
وفعلاً شُيدت المدرسة وهي الآن مدرسة أساسية ثانوية عملاقة في منطقة شعوب غيلان الواقعة أقصى شمال غرب مديرية عتمة في محافظة ذمار، وتخرج منها مئات الطلاب الذين أصبحوا معلمين وأطباء ومهندسين ورجال أعمال.
وشُيدت مثلها آلاف المدارس في مناطق مختلفة من اليمن، ولم يعُد هناك ريف من أرياف اليمن بدون مدرسة كما كان من قبل، وبحسب الإحصائيات التربوية بلغ عدد المدارس في أنحاء اليمن عام ٢٠١٠م أكثر من ١٧ ألف مدرسة، في عهد الرئيس صالح، ووصل معدل إنشاء المدارس- حسب تصريح لوزير التربية الدكتور عبدالسلام الجوفي وزير التربية في عام ٢٠١٠- إلى ما يعادل بناء مدرسة واحدة كل يوم.
لم يستثمر صالح طموح الشبل الصغير غيلان ويقوده إلى محارق الموت أو يفكر في إشعال الحروب مستغلاً كثافة الشباب كما يحصل اليوم، بل اتجه بطموحه نحو تحقيق آمال ومستقبل شعبه، وصار غيلان "التلميذ" مُدرِّساً عملاقاً ومن خيرة قيادات نقابة المعلمين وسياسياً بارزاً في أكبر الأحزاب وأديباً وشاعراً لا يُشَق له غُبار، وإعلامياً وكاتباً صحفياً، ومن كبار الإعلاميين المقاومين لفكر الخرافة والسلالة العنصري.
خلاصة القول: وجود قيادة تحرص على التعليم" نعمة" يجب إدراكها والاصطفاف إلى جانبها، فهي رأس مالنا اليوم الذي يستثمر فوائد أجيالنا.. فنحن مخيرون بين تركهم خداماً وعبيداً للسلالة ووقودًا لحروبها العبثية، أو ندفع بهم نحو المعرفة لينهضوا بالوطن نحو مستقبل أفضل وحياة أجمل وأسعد.