ملشنة الأكاديميين في جامعة صنعاء!
صور باعثة للقهر والانكسار تلك التي تم تداولها في السوشيال ميديا لأكاديميي جامعة صنعاء، وهم يخضعون لدورات تدريبية حوثية وتمارين قتالية أُجبروا عليها وتوثيقها بالصور؛ لتحطيم نفسياتهم وكسر ذواتهم، واعتبارها قبولاً بنهج المليشيات الحوثية وثقافتهم التعبوية وسياستهم العدائية العدوانية التدميرية.
لم تُقْدم أية مليشيا حديثة في أية بقعة من أرجاء المعمورة على إخضاع دكاترة الجامعات لدورات التدريب والقتال مهما كانت درجة وحشيتها أو تخلفها؛ لأن السياقات متناقضة، فرجال العلم والمعرفة بعيدون كل البعد عن هذا السياق، وليس من المعقول إحلال البندقية بديلاً عن القلم، والموت عوضاً عن الحياة، والماضي عن المستقبل، والجهل عن التنوير.
تبدو المسألة مغايرة من منظور مليشيا الكهنوت التي تعتقد أن استهداف هذه الشريحة النخبوية بمثل هذه الدورات يعتبر مساراً فاعلاً يصب في عمق مشروعهم السلالي التدميري، فالأكاديمي يعلم أجيالاً من الشباب الذين هم المخزون الحقيقي الذي تتكئ عليه الجماعة في رفد الجبهات، كذلك عندما يكون هذا الرمز والقدوة في المجتمع مؤمناً بنهج الجماعة ومتورطاً في الترويج له سينعكس ذلك على بقية فصائل المجتمع وسيصبح الفكر المليشاوي مقبولاً ومستساغاً في الوعي الجمعي، ويتحول إلى إرادة شعبية متفشية في النسيج الاجتماعي بمختلف طبقاته ومستوياته دون استثناء، وتبلغ درجة التعبئة أعلى مستويات ويسهل التحشيد والتجنيد من قمة الهرم إلى أدناه، لحظتها يصحو المجتمع وهو غارق في حرب عبثية دامية وسلوك طائفي قذر ورط الشعب في متاهة الاستشهاد والموت في سبيل أفكار سوداوية عممت الهلاك على كل أسرة يمنية، وانتزعت منها فرداً أو أكثر حتى وجد المجتمع نفسه مشاركاً في مشهد جنائزي جماعي بمختلف أطيافه وفئاته.
لم تكتف الجماعة الحوثية بنشر صور الأكاديميين؛ بل تمادت في تعميم فيروس الإذلال والانكسار ليشمل رئيس حكومتها غير المعترف بها بن حبتور ورئيس مجلس النواب غير المعترف به يحيى الراعي؛ لتقنع الشعب قناعة تامة بأن هذا السلوك السلالي لا مناص منه لأحد، ولن يتهرب منه أحد مهما كان شأنه سواءً لصاحب المنصب السياسي أو لصاحب المكانة العلمية.
يا لها من مأساة تورط بها المجتمع القابع تحت سلطة المليشيات الحوثية، حيث لا يمكن وضع حد للمعاناة والاستلاب والخنوع الإجباري الذي حاق به على يد تلك العصابة الإمامية المتوحشة التي غيرت مجرى التاريخ ونكست أعلامه وقلبت موازينه رأساً على عقب بصورة لا تخطر على بال أية رجعية على مر التاريخ القديم والحديث.
لا تقتصر مأساة الأكاديميين على ملشنتهم فحسب؛ فهم الجائعون الذين يعملون لسنوات بلا مرتبات، وهو السلاح الذي قتل عزتهم وحطم قيمتهم وانتزع كرامتهم حتى آل حالهم إلى ما هم عليه، فسهل اقتيادهم وتيسر تجييرهم إلى كل استصغار وخضوع وعبث طالهم، وبسلاح التجويع تمكنت السلالة من اقتياد الشعب المستلب إلى مصيره المرسوم على يدها الذي يسود فيه الموت جوعاً أو الموت في الجبهات، ولا خيار ثالث البتة.