دم جديد وخيار جديد أُضيف قبل ثلاثة أعوام لخارطة المعركة الوطنية متخلصاً من كل أدران العقود المنصرمة ومنبعثاً من ركام الدولة المفقودة لاستعادة الدولة والجمهورية. ومثّل المكتب السياسي إضافة نوعية للحرب والسياسة.

نرافق، الذكرى الثالثة لإعلان المكتب السياسي للمقاومة الوطنية وقد تم تدشين فروعه بمدى ثلاث سنوات في مدينة مأرب وشبوة وفرع إب في قطعبة، وتعز ويلم بين خافقيه كامل الجغرافيا المحررة على هوى التحرير ولا بد من صنعاء لتعانق المجد العسكري والسياسي، وطوارق المجد.

المكتب السياسي ليس عصبوياً ولا فئوياً وليس مناطقياً، فهو كل مدينة وكل جهة، وكل أفق، وهو الأفق، وكان وجوده ضرورياً لتجاوز أسباب ومسببات سقوط البلاد بيد الكهنوت؛ فالتخندقات لعقود بين الأطراف السياسية أسقطت اليمن في حضن الكهنوت، والتجاذبات السياسية أثرت على المعركة وخندقت البنادق وكان لا بد من حراك سياسي ومن مكتب سياسي للمقاومة الوطنية منطلقاً من وسط الجغرافيا يُعنى بالعموم لا بالخصوص وبالكل لا بالجزء، ويتخطى كل بواطن الخلافات، كي نعيد تصويب المعركة وفق الهدف وصوب الغاية الجامعة لليمنيين، لذا كان السياسي.

جمود ويبس أصاب صلب الجمهورية اليمنية فكرة ومعركة، وانسداد فظيع لم تشهده البلاد، منه أسقط اليمن بشقه الأول ومنه أوهن الصف المقاوم في شقه الثاني، وكان لا بد للظرف اللافت، وللرقعة المخربشة بالتهاون، وللملامح المنسدة في سحنة المقادير من شيء ينبثق انبثاق الحياة من الماء، ويبزغ بزوغ الصباح من رحم الليل، ومن منقذ ينقذ ما تبقى لليمني من يمن.

كان ولا بد من مكتب سياسي يحفظ تضحيات الرجال وخلق فكرة جديدة، يحملها المنقذ، كطوق نجاة ومركب العودة من الأعماق، أعماق الدلهمات، إلى المرافئ المزينة بالأعلام.

قبل ثلاثة أعوام من هذه اللحظة، كان المكتب السياسي في رحم الخلد القيادي، يتشكل في قلب وعقل القائد، لا وجود له، وما نعيشه ونلمسه وما عانيناه هو الموت ببطء، وتجمد دماء الحرية، وتكلس الخطاب، وتراشق الإخوة الأعداء الذين أفلتوا الصيدة وظفر بها الذئب النائم ستين سنة بعين واحدة وبالأخرى كان يتحين الفرص ليظفر- كما قلتُ- بالصيدة، وعشنا سنوات الترهل وفقدان بوصلة الحرب، وإلى ما قبل ثلاثة أعوام، حيث بزغ المكتب السياسي فكان بداية تفكيك العُقد وإزالة الدماء المتخثرة في الشريان الجمهوري.

للمكتب السياسي سرديات كثيرة، أولها: انتفاضة ٢ ديسمبر وظروف المقاومة الوطنية المستحيلة؛ فالحراس بقيادة الطارق، الذين تشكلوا حرباً وفداءً في ثنية صنعاء أعلى الشمال وتوسطوا ببئر أحمد وسط الجنوب وتكاملوا في الوسط اليماني؛ بين الماء والرمل، والجبال والسواحل، بالساحل الغربي، وسردية القوة تلك هي اللب الأول للمكتب السياسي، والإنجاز الملحمي للحراس هو الرسم الرصاصي (نسبة إلى طلق البنادق) للمكتب السياسي وهو حقيق بما أنجز وبما سينجزه.

ثاني سردية للمكتب السياسي هي مغادرة المجال المفخخ؛ لو أن العقود التي انصرمت سليمة لما اُحتيج للمكتب حتى، ولما سقطت الجمهورية بيد الإمامي الجديد، لذا؛ غادر المكتب السياسي بقعة الشد والجذب، وترك خلفه دنيا التفاصيل المهلكة، بين الأحزاب والجماعات والشخصيات والذوات والهويات، وابتعد عن كل طرق التفتت وعن تمزق الفكرة، فما على المكتب كونه المنقذ إلا قدرته على المغامرة، ونية المجازفة، وحرارة الشباب، وفتوة كل حركات الإنقاذ عبر التاريخ، والإبحار بمجاديف من صنع اللحظات المقدسة تزمها دماء الشهداء في الجبهات، فلم يتخلَّ المكتب السياسي عن أصله إلا بقدر تصويبه الفوهات صوب الغاية من منطلق استعادة الجمهورية، فلكل سقوط مواد صراع، والشاهد والمشاهد يدرك مواد ذلك الصراع الذي منه وفيه وبسببه انسل الوطن من أيدينا فجأة فكان المكتب السياسي خروجاً نبيلاً وانفراداً واجباً عن معامع وعن بواعث ومشاكل كثيرة، وتجاوزاً للوقيعة التي أودت بالنظام الجمهوري، بغض النظر عن الصائب والخاطئ في المراحل الرمادية؛ فغاية القائد- رئيس المكتب السياسي ومكتبه التخلص من أحابيل سنوات الخصومات، والتعالي على تخندقات العامة والخاصة والبدء بمرحلة جديدة ودماء جديدة وأدبيات جديدة لها شهية الإنجاز وخالية من شهوة المقامرة، ولها خفة الفتوة وبعيدة كل البعد عن ثقل المرحلة الكهلة؛ وهذه السردية الثانية للمكتب الذي أتى يوفق ولا يفرق، ينهي الخلاف بمادة الائتلاف، يجمع شتات الفكرة المتشظية في أفكار ويرمم الجدران ولا يهدمها، لهذا تواجد، ومن أجل هذا تأسس.

السردية الثالثة للمكتب السياسي هي حفظ تضحيات جند الملحمة، الذين أُهرقت تضحياتهم بمدخل الحديدة في اتفاق السويد، ولئلا يدلهم سويد ثانٍ، وكيلا تُحفر للرجال حفرة أخرى، وليكون واجهة تدافع وتدفع عن صفوف الجند وتفرض وتشرط أولويات الفداء في سبيل صنعاء وكل مدينة محتلة بسوادية المكهّف الإيراني.

سرديات كثيرة للمكتب السياسي، ومنذ إعلانه بدأ بتذويب الخلافات، ونجح المكتب في ذلك، ووفّق بين الساحل وتعز وبين الجنوب والشمال وبين مأرب والساحل، وكان نقطة التقاء الجميع على مستوى دول الإقليم، وعلى مستوى الأطراف الجمهورية في رقعة المعركة، فهو مع الجنوب دون أن يكون ضد الشمال ومع تعز دون أن يتنكر للجنوب، فلم ينحَزْ لهذه دون تلك ولا لجبهة دون أخرى، وهذه إحدى أعظم نجاحاته، خطابه يمت للجميع بِصِلة، من جبل رأس وإلى جبل البلق، بدأ في الساحل الغربي، ودشن مكتبه في شبوة، وفي مأرب أيضاً، وانغرس في تعز، ويتعالى في إب في قعطبة، ووحده- فقط- يستطيع المكتب أن يُقيم أوتاده في كل جبهات الوطن ليستعيد الوطن، بكل عظمته.

ينحاز المكتب السياسي للشباب، وهم أصل ومادة الفكرة الوطنية، والغد المشرق، وأغلب رؤساء دوائره من عينات تحمل الفكر الخلّاق المتصالح، وقد توزع المكتب بدوائره بين المحافظات والمدن اليمنية؛ فهو من اليمن وباسم اليمن، من حضرموت إلى صنعاء، ومن الساحل الغربي إلى مأرب.. شبوة وتعز، وكل نخبة المكتب هم أفذاذ راهنوا على الطارق وراهن عليهم، أمناء ورؤساء دوائر وأعضاء.

وها هو، بعد ثلاث سنوات، أصبح المكتب السياسي ركناً من أركان المعادلة الوطنية، بحرب أو سلام؛ فللحرب حراس الجمهورية (الذراع العسكرية للمقاومة الوطنية)، وللسلم الذراع السياسية وهو المكتب، يدٌ للمعركة تقبض بندقية الخلاص ويد للسلام العادل، كف بساح الوغى يضرب الأرض فتتطاير غباريات العدو، وكف تضرب الطاولة فتسكت حجج العدو وتوهنه، والمجد كل المجد للأحرار في كل حدب وصوب بكل حزب وجبهة، وتحيا الجمهورية اليمنية، واليمن خطاب ورأي ورؤية وهدف وغاية كل الأحرار، ووجد المكتب ليعزز ويغرس المبدأ المكرم بالأرض.

ولا بد من صنعاء، ومن كل ذرة تراب على هذه البلاد اليمانية، ولا بد من صعدة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية