أعادت الحرب الإسرائيلية على غزة الصدمة في النفوس والحيوية في ذاكرة اليمنيين غير المثقوبة، المثقلة بأرشيف مهوول من الجرائم الحوثية، المدونة بروائح الدم والقهر، والمعنونة بسجلات تاريخية لصهاينة اليمن على مدى عقدين من الزمن، نالت من ثلاثين مليون يمني، واقتلعت أوتاد حياتهم من منبتها، وقذفت بها إلى جحيم التهم اليمن ماضيها وحاضرها ومستقبلها، بحقد دفين وقسوة وحشية.

فحين نُفزع من همجية كيان بني صهيون، فسرعان ما يشدنا استحضار ما لحق بنا حوثياً من قتل/ موت وهلاك لمن كان معه أو من قاومه/ حصار/ تشريد/ نهب وسلب/ هدم للمنازل ودور العبادة/ تعذيب واعتقال وإعدامات وإخفاء قسري وسجون سرية للرجال والنساء/ زرع للألغام/ إرهاب وعنف/ قمع وتوحش/ تطييف وتغرير/ نسف للتعليم ومؤسسات الدولة/ استحواذ ونفوذ/ تمييز عنصري سلالي/ قطع للمرتبات والخدمات/ طمس للهوية والتاريخ/ غرق في مستنقع الخرافة وتبجيل للماضي السحيق للدرجة التي نعجز عن حصر ما تجرعناه من مآسٍ وأحداث مروعة، تتخطى ما نراه هذه الأيام على شاشات التلفزة، كونها تنتمي لسنوات طوال وتتوزع على جغرافية اليمن الواسعة، وتشمل كل يمني دون استثناء إلا مرتكبيها من صهاينة اليمن.

لا أبرر تلك الوحشية الإسرائيلية على غزة، ولكني أواجه بثبات وإصرار موجة التدليس والخديعة التي تتفشى هذه الأيام بشأن إلصاق سمة العروبة والانتماء والموقف النبيل الذي يروج له الحوثيون وأزلامهم والمغفلون من الأتباع والرعاع الذين يدوسون على جراحات اليمنيين ويكبحون دخان الألم المتصاعد من ذاكرتهم الملطخة بالدماء والأنين والفجيعة مما ألمَّ بشعب اليمن على يد هؤلاء الغرباء المحتلين الدخلاء، الذين لا ينتمون لنا بتاتاً، وليسوا من طينتنا اليمنية ونسلنا التاريخي، المتحصنين بوهم الاصطفاء والتمييز العنصري، ومشاريع الموت والظلال وتحريف مبادئ الدين وزعزعة علاقة الإنسان بربه، وتجييرها وتلغيمها بأفكارهم وادعاءاتهم التي تُخضع لهم رقاب اليمنيين، وتسيرهم إلى المحارق والجبهات والهلاك في سبيل إعلاء شأن سلالة همجية خارجة من أدغال التخلف والرجعية والتطرف والعمالة والارتزاق، وإجبار شعب بأسره على تقبل المصير الذي تفرضه هذه الجماعة وتقره كخيار أوحد لا مفر منه في الدنيا، ولا نجاة من العقاب لمن يعاديه في الآخرة، كما تزعم.

فلو أجرينا مقارنة رقمية بين ضحايا اليمن خلال عقد وضحايا فلسطين خلال سبعة عقود لأرعبتنا الأرقام والفوارق المخيفة بيننا وبينهم، فعدد الألغام الحوثية يفوق عدد سكان فلسطين، وعدد ضحاياها المبتورين في حجة وتعز والحديدة والضالع والبيضاء وصعدة والجوف يتجاوز عدد جرحى غزة، أما الشهداء والقتلى فلا وجه للمقارنة والشاهد على ذلك أنه منذ 2014 مُلئت اليمن بمقابر جماعية لم نكن نعهدها من قبل كأننا في برزخ جنائزي دائم، يجلب كل يوم أرواحاً جديدة ويقطف نفوساً بريئة، ويتمدد بلا انقطاع لابتلاع مزيد من الجثث والأشلاء البشرية؛ ولأن الحقائق مغيبة والخسائر غير موثقة إلا النزر اليسير منها، فليس هناك حصر دقيق لعدد الضحايا في شتى المناطق ومختلف الجبهات جراء التكتم الإعلامي وحجب الحقائق، حتى أصبح الموت مشهداً اعتيادياً لا يبرح مسامعنا ولا تنقطع أخباره عن أيامنا وليالينا.

فعلى تخوم مدينة مأرب، شرق اليمن، يقيم ما يقرب من عدد سكان قطاع غزة في مخيمات كنازحين من بطش الحوثي، يعيشون أوضاعاً إنسانية كارثية تلاحقهم القذائف الحوثية بين الفينة والأخرى، وفي الشمال مدينة تعز المحاصرة منذ تسع سنوات، يقطنها أكثر من أربعة ملايين يمني، يتجرعون ويلات الحصار وتبعاته من انقطاع للمياه وغلق المنافذ والطرقات التي تغير مسارها الزمني من دقائق معدودة إلى نهار كامل يمضيه المواطنون في اجتياز أمتار تفصل أجزاء المدينة التي هطلت عليها أكثر من (100) ألف قذيفة منذ الانقلاب الحوثي، وقضت على أحياء سكنية برمتها كالجحملية والحوض وحي الأمن السياسي، وما زالت المدينة إلى اللحظة تصارع لعنتها المأساوية دون أن يكترث لحالها المجتمع الدولي ويضع حداً لجرائم الحرب الحوثية بحقها.

فالعقل والمنطق والقوانين الإنسانية والنظم الدولية الخاصة بحقوق السلام والحرية والقيم الدينية والأعراف الاجتماعية تؤكد، دون بذرة تشكيك أو زيف، أن الحوثي صهيوني من النموذج المتوحش، وسفاح محترف في إتقان وتنفيذ جرائمه، وتاريخه الإجرامي يمنحه درجة الامتياز الصهيونية الغاشمة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية