أطفال تعز.. بين الخوف من التشرد ومواجهة سوق العمل( تقرير)
"في السابق كان أبي ميسور الحال مما يتقاضاه من محل الفلافل الذي يعمل به في جولة القصر. لكن الحرب دمرت كل شيء.. شردتنا من منزلنا وحرمت أبي من مصدر دخله الوحيد". بهذه المفردات تحكي أفنان مراد اليوسفي، البالغة من العمر 13 عاماً، لـ"وكالة 2 ديسمبر" قصة أسرة شردتها مليشيا الحوثي الإرهابية منذ تسعة أعوام وما زالت قائمة حتى اليوم.
تقول أفنان: "مررنا بظروف معيشية صعبة في السنوات الماضية، تجرعنا فيها ويلات النزوح والحرمان، كنت أنظر إلى أبي وهو يصارع معتركات الحياة بمفرده، حتى إنه قرر السفر إلى مدينة عدن بحثاً عن عمل بعد أن أغلقت الحياة أبوابها أمامه هنا".
وتضيف: "لم أستطع تحمل فكرة ابتعاد أبي عنا، فقررت أن أفتتح مشروعاً خاصاً أساعد به أبي في توفير متطلبات الحياة".
الحاجة تولد المعجزات
الطفلة أفنان لم تغرِها طلبات صديقاتها باللعب معهن، ولم تنظر لما يقمن به من أعمال في أوقات الفراغ. كان هدفها الرئيسي هو كيف تساعد أباها في توفير متطلباتهم. بالإضافة إلى توفير مصروفها الدراسي.
راودتني فكرة استلهمتها من عمل أبي السابق، فقررت أن يكون مشروعي كشكاً لبيع الشبس والساندويتشات والفلافل، في سبيل الحصول على لقمة العيش، وتوفير الاحتياجات المدرسية لي ولإخوتي، بالإضافة إلى دفع إيجار المنزل الذي انتقلنا إليه. تتحدث اليوسفي عن بداية مشروعها لـ"وكالة 2 ديسمبر".
تؤكد اليوسفي أنها استطاعت بمساندة والدها أن تجدول وقتها بحيث تجمع بين عملها ومواصلة تعليمها قائلةً: "أذهب إلى المدرسة صباحاً، أدرس جميع الحصص، ثم أعود إلى المنزل ظهراً، أضع عني أدواتي المدرسية، أتناول الغداء، ثم أذاكر دروسي بينما أبي يقوم بتجهيز العمل من تقشير وتقطيع الشبس، والأغراض الأخرى، إلى أن يأتي العصر وكل شيء جاهز".
وتضيف: أذهب من بعد صلاة العصر للعمل في الكشك، يساعدني في ذلك أبي وأخي، نعمل لمدة خمس ساعات يوميًا لنحصل على دخل جيد يغطي بعض مصاريفنا من أدوات مدرسية، ومواصلات، وأقلام وغيرها من متطلبات المدرسة والمنزل.
من أجل البقاء
نزحت أفنان وأسرتها المكونة من خمسة أشخاص، من جولة القصر إلى وسط مدينة تعز عند سقوط قذيفة أطلقتها مليشيا الحوثي الإرهابية على منزلهم ما أسفر عن تدمير محل والدها الذي كان مصدر دخل أسرتها الوحيد، ليستقر بهم الحال في حي الثورة شرقي مدينة تعز.
يقول مراد اليوسفي -35 عاماً- والد أفنان لـ"وكالة 2 ديسمبر": "كنا ساكنين في جولة القصر، أمتلك محل فلافل، وباصاً للمواصلات، مستوانا المادي مستقر إلى حد ما، وعندما بدأت الحرب مطلع العام 2014، واشتد القتال بين طرفي النزاع اضطررت إلى النزوح، لنستقر بعدها في حي الثورة، المنطقة التي تعيش تحت صفير المقذوفات وأزيز الرصاص حيث يعيش المواطنون منعدمو الدخل هناك حالة من الهلع والخوف".
ويضيف، "لم تمر سنوات الحرب مرور الكرام، أخذت منا كل شيء، حرمتنا من أدنى مقومات الحياة، حتى الباص الذي كان مصدر دخلنا الوحيد، أجبرت على بيعه بسبب ظروف صحيَّة، تراجعت حالتنا الى الأسوأ، متطلبات الحياة أثقلت كاهلي وأنا عاطل عن العمل، لم أستطع توفير إيجار المنزل الذي يبلغ 60 ألف ريال شهرياً.
يتابع اليوسفي حديثه: "بعد أن تراكمت عليّ الإيجارات، أيقنت تماما أنه لا أمل للحياة هنا، عزمت السفر إلى مدينة عدن للبحث عن عمل يقني وأسرتي من شبح المجاعة والتشرد. لم أكن أتخيل أن يأتي الفرج عن طريق ابنتي أفنان، صغيرة العمر كبيرة المسؤولية، بفكرتها أن تفتتح مشروع كشك الفلافل، نالت فكرتها إعجابي، قررت أن لا أحرمها من دراستها، وقفت بجانبها وشجعتها لإقامة المشروع، الذي كان لها البصمة الأولى في افتتاحه. والحمد لله الكشك خفف علينا الكثير من متطلبات الحياة".
تداعيات الحرب
الحروب تأتي دائمًا مصحوبة بتداعيات ونتائج عديدة غالبًا ما تكون كارثية على الجانب الاقتصادي والاجتماعي والنفسي.. الكوارث الاقتصادية والكساد والتضخمات.. غالبًا كانت تبعات الحروب عندما تأتي سحائب الأزمات لا تفرق بين كبير وصغير، وفي غياب معيل الأسرة يخير الصغار إجبارياً بين الموت جوعا أو العمالة. هكذا يسرد لؤي العزعزي، صحفي وناشط حقوقي، أثر الحرب وتداعياتها على الأطفال.
وأضاف العزعزي لـ"وكالة 2 ديسمبر": "عندما يعمل الأطفال يعني ذلك أنهم يبتعدون عن التعليم وبالتالي مستقبل مجهول وحالة اجتماعية متردية غالبًا سيظلون حبيسيها".
من جانبه يقول محمود البكاري أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز لـ"وكالة 2 ديسمبر": للحرب آثار وتداعيات سلبية كثيرة على الأسرة والمجتمع بشكل مباشر وغير مباشر، ومن هذه الآثار توسع ظاهرة الفقر والبطالة في المجتمع؛ بسبب انعدام فرص العمل وتوقف أغلب المنشآت الاقتصادية.
يضيف، إن هذه الآثار جعلت الكثير من الأطفال عرضة لمخاطر التفكك الأسري بسبب الخلافات الزوجية من جانب وصعوبة الحياة المعيشية من جانب آخر، فلم يكن أمام الأسر من خيار سوى إرسال الأطفال لمزاولة الأعمال للحصول على لقمة العيش.
وأشار البكاري إلى أن الآثار السلبية للحرب لا تقف عند هذا الحد فحسب بل إن السلبيات تزيد إلى استغلالهم، بسبب أن عمالة الأطفال عادة ما تكون بأجور زهيدة ومتدنية، ما يعني استغلال حالة وحاجة الأسر والأطفال من قبل أصحاب العمل.. وقد يتعرض الأطفال في سوق العمل للعديد من المخاطر التي تدمر حياتهم حاضرا ومستقبلا.
ودعا "الأسر اليمنية إلى عدم الدفع بأطفالها إلى سوق العمل مهما كانت الظروف والمبررات، لأن الخسائر التي تنتج عن ذلك أكبر بكثير من أي مكاسب أو فوائد، وعلى المجتمع أن يتكاتف ويتكافل لتقديم المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.. كما يجب على الدولة أن تقوم بتنفيذ المشاريع الاقتصادية والاجتماعية للأسرة والمجتمع بما يساعد على حماية الأطفال ومنع عمالتهم".