تغاضى المجتمع الدولي كثيراً عن حقيقة تبعية مليشيات الحوثي الإرهابية لإيران، وظل يتهرب من ذلك، ويفرض رؤيته المتمردة عن تلك الحقيقة على الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وعلى الدول الشقيقة المهتمة بالملف اليمني منذ بداية الحرب، وقد بلغ تماديه المترهل ذروته في إجبار اليمنيين على الرضوخ لاتفاق ستوكهولم الذي أعاق تحرير الحديدة والمناطق المطلة على البحر الأحمر وفرض بقاءها تحت سيطرة الحوثي، وفتح ميناء الحديدة دون رقابة حتى أصبح مرتعاً خصباً لوصول المعدات والخبراء من إيران، وصعود الحوثي منصة تهديد الملاحة الدولية وطرق التجارة العالمية في ظرف وجيز إبان الاتفاق وتسهيلات جمة كسبها من حين لآخر في كل جولة سلام كانت تُطرح أمامه، مستغلاً ذلك التغاضي في تلبسه درع الخطر والمضي في تحقيق رغبات إيران وتهديداتها في المنطقة.

وما زال المجتمع الدولي- وعلى رأسه أمريكا وبريطانيا- يسير بنفس نسق المراوغة والتحايل والتغاضي فيما يخص الحوثي بعد أن أثار زوبعة في البحر الأحمر، وحرك مخاوف الدول العظمى المتوجسة على مصالحها إزاء الزوبعة غير الواضحة المعالم، وغير المعلوم مستوى خطورتها الفعلية، بينما يتصاعد حجم التهويل الغربي في وسائل الإعلام وفي دوائر صنع القرار، وتكثف التحركات الدبلوماسية دون العزم بردة فعل جدية لإيقاف موجات تلك الزوبعة، وقد بعثت الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية التي ادعت أنها استهدفت مواقع الحوثي العسكرية، التي تعتبرها الدولتان مصدراً للتهديد، إلا أن تلك الضربات ولّدت السخرية والتهكم من ردة فعل هزلية لا تتطابق مع حجم التهويل الذي دق ناقوس الخطر في أمريكا وأوروبا.

وكل يوم يعلن الحوثي استهدافه سفينة ما ويرد الإعلام الغربي بأن القوى الدولية المرابطة في البحر الأحمر وخليج عدن أسقطت السلاح المستهدِف سواء كان طائرة مسيّرة أو صاروخاً أو زورقاً بحرياً، وهكذا دواليك وكأن اللعبة سارت على هذا المنوال، وارتضى الطرفان هذه الصيغة من التهديد والتصدي له، بينما تزداد وتيرة بعض الدول التي تجهل ما يحدث هناك، وتتأهب للذود عن مصالحها في القادم.

كانت آخر جولة من جولات التأهب الغربي تصريح الاتحاد الأوروبي تحريكه أسطوله البحري في التاسع عشر من فبراير/ شباط، إسهاماً منه في وضع حد للزوبعة الناشبة في البحر الأحمر على يد إيران وذراعها الحوثي.

وحين نمعن النظر في هذه القضية وردود الأفعال تجاهها، يحضر إلى الذهن المثل القائل "زوبعة في فنجان" كتوصيف دقيق ينطبق على ما يجري في البحر الأحمر، فلا يُعقل لا عسكرياً ولا سياسياً ولا واقعياً أن تكون المليشيات الحوثية ذات الحجم الضئيل والإمكانيات الرديئة والحضور الباهت قد بلغت شأناً حقيقياً يمكنها من إحراز هذا الخطر المفتعل والدعائي، أمام جبروت وعظمة وقوة المجتمع الدولي الذي بمقدوره محو الحوثي من الخريطة في ليلة وضحاها قبل أن يصحو من غفوة حلم فيها أنه بات موازياً ومتحدياً للقوى العظمى وضارباً عرض الحائط بكل المواثيق الدولية وساخراً من غضب أمريكا ورفيقاتها التي باتت مصالحها تحت رحمته، فيا للعجب!

المفارقة الغريبة أن الحوثي ينسب كل أفعال هذه الزوبعة إلى مطية نصرة غزة ضد الكيان الصهيوني، وأن المجتمع الدولي يخشى على أمن الملاحة الدولية ويتجاهل قضية الشعب اليمني وصراعه الوجودي مع الحوثي المغتصب للسلطة والمدمر الحقيقي لحياة ومصالح وإنسانية أكثر من ثلاثين مليون يمني، وينادي بوقوفه إلى صف الفلسطينيين والسعي لنجدتهم، بينما يواصل تحركاته العسكرية في الداخل اليمن للسيطرة على المناطق المحررة يوماً بعد آخر؛ ولا نعلم إن كانت تُجرى خلف الكواليس بين الحوثي والقوى الدولية مقايضة خفية مفادها أن يكف الحوثي تهديداته في البحر الأحمر وخليج عدن مقابل تمكينه من المناطق المحرر تحت صمت ورضى المجتمع واعتبار الأمر بعد حدوثه شأناً داخلياً لا علاقة للقوى الكبرى بذلك.

لأن القصة وما فيها لو كانت حقيقية لفكر الغرب- قبل كل شيء إن كان تهديد الحوثي صحيحاً- في مجلس القيادة الرئاسي وحكومته وجيشه الوطني باعتباره الممثل الشرعي الوحيد المعترف به دولياً مقابل المليشيات الانقلابية، وسعى جاهداً في دعمه عسكرياً ومادياً وسياسياً وهو المعني أولاً وأخيراً في القضاء على الحوثي واستعادة الدولة والخلاص من خطره على الداخل والخارج معاً؛ فالمعركة ضد الحوثي يمنية في الأساس وليست أمراً آخر، لكن أن يتناسى المجتمع الدولي الشرعية اليمنية ويهمل وجودها ويغيب حضورها في هذا السياق فذلك عين الخطأ وجوهر اللعبة وشفرة الزوبعة البالونية التي بلغت عنان السماء رغم أنها عبارة عن فرقعات هلامية يختلف كلياً حجمها الواقعي عن صورتها السياسية في المحافل الدولية.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية