تصنيف الحوثي كمنظمة إرهابية يقين متأخر
تدرك الإدارة الأمريكية أن جماعة الحوثي منظمة إرهابية منذ ميلادها الأول فكراً وسلوكاً وسياسة، لكنها تتخذ من المخاتلة والتريث درعاً للإفصاح عن ذلك، حسب المتغيرات السياسية للجماعة وللإدارة ذاتها، وبحسب معطيات اللحظة وازدياد خطورة الجماعة وتماديها الأرعن هنا وهناك، وما زال هذا التخاتل يرافق هذا التصنيف الأخير.
ولنا هنا أن نجري مقارنة بسيطة بين التصنيفين؛ ففي إدارة ترمب تم تصنيف الحوثيين كـ: FTO (Foreign Terrorist Organization) ، منظمة إرهابية أجنبية (FTO)، إلى جانب كيان إرهابي عالمي مصنف بصفة خاصة (SDGT)، وهو أقوى تصنيف من وزارة الخارجية الأمريكية ضد المنظمات الإرهابية؛ إذ يعاقب المنظومة بكاملها، ويمنع المنظمات والشعب الأمريكي من تزويد الحوثي بأي دعم ملموس؛ بينما إدارة بايدن ألغت تصنيف ترمب، ثم أعادت تصنيفهم كـ: SDGT (Specially Designated Global Terrorist)، ككيان إرهابي عالمي مصنف بصفة خاصة، ويُعد أقل حدة من حيث الإجراءات؛ لأنه يركز على الأفراد ولا يعاقب المنظومة بكلها، ولا يمنع المنظمات الأمريكية والدولية من تقديم الدعم الإنساني الملموس لهم ولا يمنع سفر مسؤوليهم. ولذا؛ تبقى الشكوك ماثلة حول طبيعة النوايا الجدية لاتخاذ حزمة من الضوابط الحقيقية التي بمقدورها وضع حد لهذه الجماعة وإخضاعها للسلام وتقليل مخاطرها على الداخل والخارج.
إن التقليل من خطر الجماعة والتساهل في معاقبتها دفعها إلى الإسراف والفجاجة في عدوانيتها، وعدم الاكتراث بأي إجراءات تتخذ ضدها من المجتمع الدولي، والإبقاء على سلوكها الإرهابي في الداخل اليمني الذي لم يتوقف نزيفه يوماً؛ بل ربما كان إيعازاً للجماعة بالبطش والفتك بخصومها كما يحلو لها، غير آبهة لصورتها في نظر القرار الدولي الذي لم يردعها بحزم ولم تهبه في يوم ما، وأصبح هذا القرار خاضعاً لجملة من التواضعات السياسية الإقليمية والدولية وحسابات القضايا الساخنة في ملفات عدة من بينها الصراعات الدائرة في المنطقة وتوازناتها التي استباحت دماء اليمنيين، وأدرجتها ضمن أروقة تلك اللعبة ومتاهاتها.
والأنكى من كل هذا؛ أن الجماعة انتهزت حرب غزة واستثمرتها بالطريقة المحببة لديها، مدعية نصرتها لها ومساندتها لعدالتها، متخففة من صورتها المذمومة يمنياً وعربياً ومتزعمة الموقف البطولي الذي تصدرته في هذا السياق، وما كان ليحدث هذا الإسفاف لولا رخاوة الإدارة الأمريكية ونعومة تعاملها مع هذا الملف، الذي أخذ أبعاداً أخرى أكثر تحايلاً ومراوغة وتعقيداً مما مضى.
كل ما لحق بنا من هذه الجماعة وما زال العالم يتردد في تصديق بؤسنا وعذاباتنا التي نتجرعها كل لحظة على يد هذه السلالة الكهنوتية، تتساقط الضحايا ويتغلب الموت على الحياة والباطل على الحق والشر على الخير واليأس على الأمل والجوع على الاكتفاء، ويمضي الزمن قُدماً يرافق الجماعة التي تفتك بالحرث والنسل، وتنفذ تعليمات الملالي وترغب في إغراق الشعب بموجة حرب خارجية تحت مطية البحر والأمن العالمي، ولا يخطر ببالها ذلك الشقاء الذي بات اليمن يقبع وسطه دون أن تمتد يد لإنقاذه من قبضة أزلام إيران.
هذا التصنيف يقين متأخر وحضور بطيء، رغم أهميته لاعتبارات عدة، ولكن الخشية من برودته التي تضاهي مسرحية الضربات الجوية الأمريكية على مواقع الجماعة في عدة محافظات، والتي كانت بمثابة التهكم والسخرية من المتيقنين بعدائية البيت الأبيض لطهران وأجندتها بالمنطقة، والصراع الناشب بينهما في أكثر من صعيد، حيث هدفت لإكساب المليشيات الحوثية تأييداً شعبياً وتغاضياً عن مساوئها، وتصديقاً لمزاعم وقوفها مع غزة ومحاربتها الكيان الصهيوني الذي قاد البيت الأبيض لتنفيذ هذه الضربات نتيجة لموقف الجماعة ضد الكيان.
أي تخبط وقعنا في شباكه كيمنيين؟ وأي مهزلة وتلاعب سياسي يقودنا من مأزق إلى آخر أكثر ضراوة وغموضاً؟ إلى متى سنظل عرضة لهذه المتاهات وتداخلاتها ككرة تتقاذفها أقدام المتصارعين الكبار، والشعب سئم انتظار انفراجة مصيره والخلاص من بؤس تعذيبه الذي يشترك في إطالة أمده من لا رحمة ولا إنسانية في قواميسهم من أصحاب القرار الإقليمي والغربي، والجلاد يضرب بسوط من حديد أبناء جلدته ويتهم بخطورة موقفه تجاه الخارج؟!