صادق القاضي يكتب لـ "2 ديسمبر": هل كان لا بد أن يكون "الحوثي" قرصاناً؟!
ما المهم في التذكير ببديهية بسيطة ومعروفة للغاية، مثل: إن "الحوثي" جماعة دينية سياسية جهادية.. وصلت إلى السلطة عبر انقلاب مسلح، وليس لديها مرجعية عقائدية وفكرية وثقافية غير "ملازم" المؤسس "حسين الحوثي"؟!
المهم، هو أننا في العادة نحب التعقيد، وننخدع بالشعارات ونتأثر بالبروبجندات، ونتجاهل البديهيات في تفسير الظواهر والأحداث. رغم كونها أكثر قرباً وبساطة وعمقاً وموضوعية. كهذه البديهية بكفاءتها العالية في تفسير كل شيء في توجهات وخطابات وممارسات الجماعة الحوثية في الماضي والحاضر والمستقبل.
إن مثل هذه المرجعية العقائدية والفكرية والثقافية السياسية غير صالحة لتكون مرجعية لمعارضة سوية فضلاً عن سلطة سوية، كما أن جماعة بهذه الصفات والمحددات لا يمكنها أن تحافظ على السلطة، أو تديرها بغير الحروب والأزمات، بدايةً بقيامها -في الأيام الأولى لانقلابها- بتدشين مناورة عسكرية على الحدود السعودية.!
من يومها جرت في النهر مياه ودموع ودماء كثيرة، وصولاً إلى وصول تدخل التحالف العربي وحرب "الشرعية" منذ سنوات إلى التوقف التام تقريباً، وهذا ما جعل الحوثي في أضعف حالاته، الحوثي -فيما يتعلق بالتنمية والخدمات وإدارة شئون الدولة- عبارة عن أكذوبة متهالكة بشكل فاضح.
لم يستطع الحوثي حتى دفع رواتب الموظفين. وهي قضية عرّته حتى العظم، وهزت أركان نظامه، وأسقطت "شرعيته الثورية المقاوماتية" الزائفة، وكانت كفيلة بزعزعة نظامه عبر الاحتجاجات المتصاعدة.. لولا اندلاع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، بكل نبلها وملابساتها وقابليتها للاستغلال الانتهازي.
بالنسبة للحوثي. كانت مصيبة غزة فائدة له، وبمثابة طوق نجاة للتنصل من الالتزامات الداخلية، وقد استغلها بفجاجة كالعادة، أطلق عدة صواريخ جوفاء حولاء.. لم ينجم عنها أي ضرر لإسرائيل، بعضها سقط في الأردن ومصر. كما لو أن هذه العنترية السمجة تعفيه من كل المسئوليات والالتزامات والواجبات التي تترتب عن حيازة السلطة تجاه الشعب.!
ورغم أن الحوثي ما يزال، كدأبه منذ تسع سنوات، يزعج أسماع العالم بالحصار البري والبحري والجوي المفروض عليه من قِبل ما يسميه "العدوان" السعوإماراتي الصهيوأمريكي.. خرج فجأة على شكل قرصان يحاول فرض الحصار على العالم من خلال القرصنة على الملاحة الدولية في البحر الأحمر.!
على عكس ما "قد" يبدو.. لا علاقة جوهرية لقضية غزة بهذه العمليات والفرمانات التي قام بها الحوثي تحت عنوانها، فرغم كونه أداة لإيران التي اختارت أن تحارب "إسرائيل وأمريكا" من خلال قفازاتها في المنطقة.. تأتي هذه القرصنة متوائمة مع أجندة الحوثي الخاصة للحكم في اليمن.
كان لا بد للحوثي أن يمارس القرصنة عاجلاً أو آجلاً، بقضية غزة أو بدونها، إذ لا يمكن لزعيم جماعة عجز أن يصبح رجل دولة، ولسلطة عجزت أن تصبح دولة. ولحركة كهنوتية مسلحة لا تشعر بالمسئولية تجاه الشعب، أن تختلق الحروب والأزمات من أجل بقائها، لأن السلام والاستقرار يهددان وجودها.
لا شك. سيترتب عن هذه القرصنة الكثير من ردود الأفعال الدولية التي تضر باليمن والشعب اليمني، على مختلف الجوانب. لكن، بالنسبة للحوثي، ليس لديه ما يخسره. وعلى العكس، ما يضر الشعب اليمني يفيد الحوثي، ويصب في مصلحة هذا "النظام" الذي لا يملك ما يقدمه للعالم غير الحرب، ولا في رأسه ما يدير به السلطة غير الأزمات، ولا ما يقدمه للشعب غير الموت والدمار والجوع والضياع..