الأبطال يصنعون التاريخ وليس العكس، 
ينحتون أسماءهم في ذاكرة الناس بعناية، ويختارون الطريقة التي يرحلون بها بكل شجاعة واقتدار.

في الـ٢ من ديسمبر ٢٠١٧، صنع الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح لحظة استثنائية في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر.. لم يكن الأمر "صدفة" ولا "تشاعيب"، ولم يكن مغامرة، لقد كان بركانًا وانفجر.

عادة الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح حين يتعامل مع مشكلة ما، أن يقدم كل خيارات "التهدئة" و"الحكمة" لتجنيب اليمنيين أي فتنة يمكن أن تحرق الجميع.. كان يتجنب دائمًا أن يسفك اليمنيون دماءهم، كان "علي عبدالله صالح" يحرص على ألا تنهار الدولة اليمنية، ولذلك بادر بالتوقيع على المبادرة الخليجية، ودعا لانتخاب نائبه رئيسًا "مؤقتًا لعامين" وفق تلك المبادرة، وأصر على مراسم تسليم رسمية إرساء لمفهوم التداول السلمي للسلطة، وحتى تستمر الدولة اليمنية قائمة بمؤسساتها ودستورها ونظامها الجمهوري.

خلال عامين، وبفعل "التشنجات" والانفعالات التي لازمت علاقة القوى السياسية "الوطنية" ببعضها، لعب الرئيس "المؤقت" لعبة خطرة، فاشتغل على "تسميم " تلك العلاقة حتى باتت أكثر تعقيدًا مما كانت عليه، وفي الوقت الذي ظنت فيه بعض القوى السياسية "الوطنية" أنها تمسك بزمام "الأمور"، كان "هادي" يلعب بالنار!

في الأثناء، كانت جماعة الحوثي تستعد لقطف الثمار بعد أن طال انتظارها، وتتهيأ للانقضاض على "النظام الجمهوري"، وفق ترتيبات دقيقة تم إعدادها في غرفة صغيرة داخل مبنى السفارة الإيرانية في العاصمة صنعاء.

بعد هيكلة الجيش، وإجراءات وقرارات رئاسية، بدا الطريق "سهلًا" لجماعة الضلال، فزحفت مليشياتها من صعدة إلى عمران، وفي طريقها فجّرت بيوتًا ومراكز دينية، ثم أحكمت حصارها على "القشيبي"، الذي قاوم مع رجاله حتى مات شهيدًا بعد أن تخلى عنه الجميع، الرئيس والوزير والحزب!

في ٢١ سبتمبر، سقطت صنعاء، وسيطرت مليشيات الحوثي على مؤسسات الدولة وشرعت في نهبها باعتبارها "غنائم حرب"!

في ٢٨ يوليو ٢٠١٦، وقّع المؤتمر الشعبي العام على اتفاق تشكيل مجلس سياسي أعلى يتولى إدارة البلاد وحماية المؤسسات من النهب والانهيار، كان "صالح" يتألم وهو يرى الدولة اليمنية تتهاوى على يد جماعة متطرفة ومغامرة.. ولأن الرئيس "المؤقت" كان قد نجح في خلق مسافات بين المؤتمر وباقي القوى السياسية التي غادرت صنعاء بعد سقوطها، فإن المؤتمر لم يكن مهيأ لمواجهة التهديد الحوثي للدولة اليمنية، منفردًا، خاصة بعد أن سلم الدولة ومؤسساتها ومعسكراتها للرئيس الخلَف في فبراير ٢٠١٢.

كان رأي المؤتمر و"صالح" أن التحالف السياسي مع "الحوثي" قد يحافظ على مؤسسات الدولة ودستورها وقوانينها ولو بشكل محدود على مبدأ "إنقاذ ما يمكن إنقاذه"، وعلى أمل أن تتدخل- لاحقًا- عوامل جديدة يمكنها تغيير هذا الواقع لمصلحة الدولة والنظام الجمهوري!!

طوال فترة "المجلس السياسي الأعلى"، دخل المؤتمر والرئيس السابق في صراع مع "تيارات" الجماعة الحوثية ومراكز القوى فيها، بسبب استمرار المليشيات في نهب وتدمير المؤسسات.. وفي الذكرى الـ٣٦ لتأسيس المؤتمر الشعبي العام، كان الرأي العام اليمني يدفع علي عبدالله صالح لاتخاذ قرار مواجهة الحوثي بالقوة، وتحرير الجمهورية والدولة من سيطرة العصابة الحوثية؛ لكن "صالح" خشي أن تُسفك دماء اليمنيين، على يد مليشيات الجماعة التي فرضت طوقًا أمنيًا مشددًا على العاصمة في ذلك اليوم، ووجّهت الأسلحة الثقيلة والمتوسطة نحو صدور اليمنيين في ميدان السبعين..!

في اليوم التالي لاحتفالية تأسيس المؤتمر، اغتالت مليشيات الحوثي، خالد الرضي، رئيس الدائرة السياسية والعلاقات الخارجية بالمؤتمر الشعبي العام، في جولة المصباحي وسط العاصمة صنعاء، حيث نصبت كمينًا لنجل الرئيس صالح، وشهد المكان "جولة المصباحي" مواجهات عنيفة أدت إلى سقوط خالد الرضي في تلك الليلة حالكة السواد!

في الأشهر الثلاثة التالية، بلغت تدخلات الحوثي في شؤون المؤتمر حدًا "لا يُطاق"، وواصلت استيلاءها على الوزارات والمؤسسات بشكل سافر، وبدا استهتارها بالمؤتمر واليمنيين في صنعاء أكثر استفزازًا، وهو ما اتضح في الاحتفال بمناسبة المولد النبوي.

في الثاني من ديسمبر ٢٠١٧، وجّه علي عبدالله صالح دعوة للشعب إلى الثورة على المليشيات وحماية المؤسسات والدولة والنظام الجمهوري، داعيًا الأشقاء إلى الحوار لحل كل الخلافات، والوقوف مع اليمن في هذه المحنة، وقد وصل صوت الرجل للجميع، فخرج اليمنيون يؤيدون هذه الدعوة ولسان حالهم يقول: أخيرًا!!

كان الشعب قد بلغ مرحلة حرجة من التعب والمعاناة جراء تصرفات وجنون "عبدالملك الحوثي" ومليشياته على مدى ثلاث سنوات، وحين سمع اليمنيون خطاب صالح، واستبشروا خيرًا، ولبوا النداء الذي سبب رعبًا حقيقيًا للمليشيات، التي سارع عناصرها للاختباء وآثروا السلامة، وكاد الأمر أن ينتهي على هذا النحو لولا أن الحوثي وأطرافًا دولية أخرى رأوا أن هذه هي الفرصة الأخيرة لتصفية صالح وطي صفحته!

جمع الحوثي كل عناصر كتائب القتل والاغتيال وحشد السلاح الثقيل والمتوسط، وطوق منزل الزعيم، وأطلق النار!

قاوم صالح، من وسط منزله في العاصمة صنعاء، ومعه ثلة من الأبطال يتقدمهم أمين عام المؤتمر عارف الزوكا.

وقبل استشهاده، جاء خطابه الأخير شاهدًا على كبرياء وحكمة الرجل، وعلى خسة القتلة، وهو- بهذه النهاية الباذخة تضحية وشجاعة وقوة- وضع أسس مشروع المقاومة الذي رأى النور في مدينة عدن، على يد العميد المجاهد طارق صالح وثلة من المجاهدين الأبطال، وبدعم وسند من أشقائنا في دولة الإمارات العربية المتحدة، واستقر في الساحل الغربي جنبًا إلى جنب مع عمالقة الجنوب وأسود تهامة، في تشكيل وطني مهيب، يكبر كل يوم ، ومعه يكبر الأمل لدى اليمنيين في استعادة جمهوريتهم التي اختطفتها جماعة متمردة ومتطرفة، ذات يوم!

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية