الدكتور صادق القاضي يكتب لـ " 2 ديسمبر " : الحوثي وحرب غزة.. الغباء حين يستغبي الآخرين؟!
لنبدأ من الآخر: حتى لو وصلت صواريخه إلى العاصمة الأمريكية "واشنطن"، ودمرت طائراته المسيّرة العاصمة الإسرائيلية "تل أبيب".. يظل الحوثي هو الحوثي، وموقفنا منه لن يتغير؛ لعدة أسباب بديهية:
أولاً: لأن قضيتنا غير قضيته: قضيتنا يمنية وطنية واقعية عادلة.. وقضيته فئوية كهنوتية خارجية طوباوية مخاتلة.
وثانيا: لأن رؤيتنا للقضية الفلسطينية، غير رؤيته؛ رؤيتنا دينية قومية إنسانية حقوقية نزيهة، ورؤيته لها نفعية انتهازية براجماتية مشبوهة!
وثالثاً: لأن الحوثي عدو الشعب اليمني، وعلى افتراض أنه عدو لإسرائيل التي يعاديها اليمنيون جميعاً، فعدو عدوك ليس صديقك بالضرورة.
الخلاف والاختلاف هنا يطال كل شيء تقريباً؛ الكينونة والكيان والثقافة والرؤى والمرجعيات والأهداف والطموحات والأحلام والتطلعات:
الحوثي بمثابة جالية أجنبية، ونحن شعب، ضمن حالة سياسية واقتصادية واجتماعية وعقائدية.. طبقية عنصرية شمولية شاذة.. اختارها وفرضها هو بنفسه لنفسه وللشعب اليمني، بوضع جماعته في مقابل الجميع.
قضيتنا الأولى والمركزية في اليمن، على الصعيد المحلي: هي إسقاط هذا النظام العنصري الكهنوتي. وعلى المستوى الدولي هي: حل القضية الفلسطينية العادلة، في مقابل أن الحوثي، ومهما تشدق بالقضية الفلسطينية، فتبنيه لقضايا نظام الثورة الإسلامية في طهران يجعله أصلاً بلا قضية.
ثُمّ إن الشعب اليمني تبنى القضية الفلسطينية كرأي وموقف، بشكل واضح ناضج، قبل أن يكون الحوثي شيئاً مذكوراً؛ بل قبل أن يستحوذ الملالي على السلطة في إيران ليزايدوا بالقضية الفلسطينية بانتهازية، على اليمنيين والعالم الإسلامي!
وبالتالي: المزايدة على اليمنيين بهذه القضية، من قِبل هذه الأنظمة والتنظيمات الشمولية الطارئة العابرة.. شيء سامج مضحك، كمزايدة المومسات بالشرف!
قيام الحوثي مؤخراً بإطلاق عدة صواريخ وطائرات مسيّرة باتجاه إسرائيل- بغض النظر عن نوعيتها البائسة، وكميتها الهزلية، وهل أطلقها فعلاً أم لا؟- هو ورقة جديدة في هذه اللعبة الفاضحة، لن تنطلي على اليمنيين، ولن تجعلهم يتهافتون لتقبيل رُكَب وأقدام السيد الحوثي، أو القبول بعودة نظام الإمامة.
ربما لو لم نكن نعرف أن "الحوثي" كوّن جماعته باسم الله، واستحوذ على السلطة باسم النبي، وأذل اليمنيين باسم عزتهم، وأهانهم باسم كرامتهم، واستعبدهم بشعار تحريرهم، ومزقهم بحُجة توحيدهم، واعتدى عليهم بعلة حمايتهم من العدوان، وجوّعهم باسم إشباعهم.. لكان لنا منه ومن موقفه اليوم تجاه غزة رأي آخر.
لكننا نعرف ونتذكر، لا يمكن لأحد أن ينسى أن الحوثي بحُجة إسقاط الجرعة، اجتاح صنعاء وأسقط الدولة، كانت كل أبواقه الإعلامية تردد حينها العبارة الشهيرة عن مليشياته المسلحة: "ليست ضدكم بل معكم"، ليتبين لاحقاً حتى للسذج، أن كل شيء كان ضد اليمن والشعب اليمني.
وحتى عندما تسبب انقلابه المشؤوم على الدولة بانهيار شامل للاقتصاد، خرج سيدهم أمام وسائل الإعلام مصرحاً: "إن 21 سبتمبر أنقذت اليمن من الانهيار الاقتصادي"!!
أمام الحوثي، نحن أمام ظاهرة متعجرفة وقحة بجحة بلا حدود، وبها من الغباء فائض يكفي لجعلها تصر بإلحاح على التمادي في استغباء الآخرين، واحتقار عقولهم، وبالذات فيما يتعلق بموقفهم من أمريكا وإسرائيل والقضية الفلسطينية.
والحاصل أن هذا الكيان الفنتازي، هو منذ سنوات طويلة، يتهدد أمريكا ويبطش بالشعب اليمني، ويتهدد إسرائيل ويقصف مأرب، ويندد بحصار غزة وهو يحاصر مدينة تعز..!
إطلاقه عدة مقذوفات تعيسة خاوية حولاء باتجاه إسرائيل- إن حدث- لن يغير من الحقيقة الكارثية الفاجعة للحوثي في اليمن، وهو عموماً محاولة لاستغواء جماهير جديدة، بجانب أنه يحاول من خلالها على الصعيد المحلي تخفيف السخط الشعبي المتزايد تجاهه، والتهرب من الأزمات والالتزامات والاستحقاقات الداخلية الهائلة، أقلها دفع مرتبات الموظفين.
على الصعيد الخارجي: الحوثي مجرد بيدق إيراني يحركه نظام طهران، كما يشاء؛ لتخفيف الضغط الدولي عليه، ومنح مشروعه غطاء وامتداداً دولياً، ورفع الحرج عنه في سياق الحرب الراهنة على غزة، لنظام إيران دور رئيس في دفع غزة إلى المحرقة الإسرائيلية، ثم تنصل بشكل لئيم من المشاركة في إنقاذها، ومع ذلك يظل يزايد على الأنظمة والشعوب العربية!!