كانت هناك مدينة يمنية صغيرة في أطراف صعدة- شمال اليمن- آمنة مطمئنة وادعة وتعيش بسلام، على هدى السلام اليمني، مدينة اسمها "دماج"، يسكنها عشرون ألف يمني، يمارسون الزراعة، يعيشون كما في كل أرياف اليمن من خيرات الأرض، لا هم لهم إلا العبادة والهدوء.. هل تتذكرون دماج؟ لا أحد يتذكر دماج، فقد مر الأمر بهدوء!!

فوجئت دماج صبيحة يوم كئيب من شهر أكتوبر عام ٢٠١١، بمجاميع من الحوثيين، تفرض حصاراً على المدينة الصغيرة، ومنعوا لمدة طويلة دخول المواد الغذائية إلى دماج، رفضوا فتح معبر واحد لهذه البلدة، لأجل دخول الغذاء والضروريات، وقبضوا على كل خارج ولو إلى الحج، واليمن حينها منشغلة بالأحداث، وصراع الفوضى.. واستمر الحصار سنة وأكثر. كانت الدولة منخرطة في الصراع بصنعاء، وأبناء دماج يشبهون أهالي غزة الآن، ينادون بفتح معبر فقط، لأجل الحياة، والحوثي مطلبه الترحيل.. الموت أو الرحيل!

دماج مدينة صغيرة بأطراف صعدة، تشبه تماماً مدينة غزة في أطراف الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وحوصرت دماج كما حوصرت غزة، ومُنعت الضروريات عن أهالي دماج كما مُنعت عن غزة، ومطلب واحد، للصهيوني والحوثي؛ فمطلب الحوثي رحيل أبناء دماج كما مطلب الصهيوني رحيل أبناء غزة عن المدينة، وقد حدث ذلك.

قرر أبناء دماج الدفاع عن حياتهم، واجهوا عتاد الحوثي، في ظل التخلي المريع لحكومة صنعاء، سقط أبناء دماج شهداء وجرحى، ومُنع عنهم الدواء، رغم تدخلات الصليب الأحمر، وبعد محاولات حثيثة أُجلي المئات من أبناء المدينة جرحى، بينهم نساء وأطفال، امرأة حامل سقطت برصاص الحوثي، وأطفال يلعبون.. وأنهوا حياة مدينة كاملة، ومبرر الحوثي هو الإرهاب، ذات المبرر الصهيوني للهجوم على غزة.

في يناير 2014، بعد سقوط حوالي ألف شهيد وجريح في دماج من تعداد عشرين ألف فقط، هُجّرت دماج، بتواطؤ حكومي، إلى الحديدة، ومروراً بالطريق تم إيواء العائلات التي تحمل بيوتها على رؤوسها في المدينة السكنية في سعوان، كنا نشاهد المهجرين، والحزن البادي في وجوه النساء والأطفال، ولا نستطيع أن نفعل أي شيء.

كانت تغريبة دماج استهلالاً حزيناً لتغريبة كل البلاد، وشارة باكية لما سيحدث، وعاشت دماج سردية غزة بالتفصيل، سردية الحصار والقصف والرحيل والتخلي حتى، هم أول من عاش النكبة. ولم يكتفِ الحوثي بتهجير دماج، بل حاصر وهدم وقتل وشرد كل مدينة يمنية.

لقد كان سقوط دماج إيذاناً بسقوط كل اليمن، وسقطت صنعاء بعدها، ومدن كثيرة وعانت ذات التنكيل، والآن يشبه الأمر ما يفعله الصهيوني في غزة، ولو سقطت غزة سيطالب بتهجير أبناء الضفة، ثم سيناء، ثم ربما يطال الأردن.

هي سردية واحدة، من اليمن إلى فلسطين، سردية الرحيل، ولو يعود الوقت لمنعنا تهجير دماج وما سمحنا بذلك، ويجب عدم السماح بتهجير أبناء غزة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية