المزايدة الإيرانية في القضية الفلسطينية
إن المشاريع الصورية، والشعارات المطاطية المعلنة لدى أية جماعة راديكالية مؤطرة بطابعها العنصري، وخدمة أغراضها الذاتية، تنكشف حقيقتها الخرافية ومضامينها المزيفة بعدم الإسقاط التجريبي والممارسة السياسية المرتبطة بتراكم الأحداث وملامسة التحولات الثورية والتغيرات المختلفة في مشهد الصراع السياسي الذي يحدد الدور العملي ووضعية الموقف الحقيقي ما بين الثبات النضالي أو التغاضي والهروب تحت مبررات مغلوطة للحفاظ على شعاراتها الديكورية كما نلمسه بمواقف السلطة الإيرانية منذ نجاح الثورة الإسلامية 1979، وذلك بالتشدق القومي المفرط بتبني القضية الفلسطينية والتوظيف البروباغندي والهرطقة الخطابية في أجهزتها الإعلامية الناطقة على لسان المقاومة، وتلميع صراعها الشكلي، وموقفها الاعتباطي بالعداء لليهود، ومخاصمة الأمريكان، الذي لم تثبت صحته أية مواجهة مباشرة في القتال مع إسرائيل أو إرسال قوة عسكرية إيرانية تقاتل في صفوف المقاومة الفلسطينية بهدف تحرير الأرض المغتصبة من الاحتلال الصهيوني التابع للإمبريالية العالمية المساعدة في إرساء أعمدته وتشكيل دولته الصهيونية في الجزء الأكبر من الأراضي الفلسطينية.
وعملت السياسة الخارجية للسلطة الإيرانية إقليميًا على تقوية المذهب الشيعي في دعم أنصاره العقائدية في كل من لبنان وسوريا واليمن والعراق، والذي أسهم في خدمة المصالح الأمريكية، كون هذه التيارات الشيعية تفتقد أية رؤية اقتصادية في إنجاح مشاريع التنمية، ولم تقبل بأي تحول ديمقراطي، وهي مساعدة في ترسيخ الفكر العبودي، ومناهضة التقدم في تجميد وسائل الإنتاج، وإعاقة عوامل التطور للبلدان العربية الأمر الذي يصب لصالح الولايات المتحدة الحليفة لإسرائيل في الهيمنة على السوق العالمي وبناء اقتصادها من الثروات العربية مع الضغط على دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تحت مبرر حمايتها من التوسع الإيراني وإيقاف مشروع الخليج الفارسي مقابل الاستهلاك المالي لها.
ورغم الدعاية الإعلامية والتقمص النضالي للسلطة الإيرانية، ومحاولة إيهام الرأي العام الإسلامي في التظاهر بأن القضية الفلسطينية هي من القضايا الأساسية والمحورية في دستور الثورة الإسلامية، تكمن وراء ذلك أبعاد وأغراض براغماتية تسعى إيران للاستفادة منها، كون إيران تمثل قوة إقليمية كبيرة في المنطقة تريد المحافظة على استراتيجية التمدد في منطقة الشرق الأوسط الذي يضمن لها التوسع من خلال العلاقات السياسية مع كل من الحركات الفلسطينية وسوريا وحزب الله اللبناني، ولا يمكن لإيران بناء منظومة من التحالفات الموالية لها سوى بالتبني للقضية الفلسطينية وإظهار العداء في خطاباتها لأمريكا وإسرائيل، بهدف دغدغة الشعور الديني، وكسب وتحريك الرأي العام العربي والإسلامي من أجل الالتفاف والتعاطف معها، ليس بمحض النزعة العقائدية الدينية، لكن بناءً على حسابات الأمن القومي الإيرانية، والاهتمام الإيراني بالصراع العربي الإسرائيلي، والتظاهر بمساندة المقاومة الفلسطينية، هي ورقة سياسية تستخدمها لخدمة مصالحها الاستراتيجية، كونها بارزة في إطار تفاعلاتها الإقليمية والدولية، ومن أجل تحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية، وفي مقدمتها ملف برنامج إيران النوي.
كما أن اهتمام السلطة الإيرانية في موضوع القضية الفلسطينية مثلما لها أغراض توسعية في سياستها الخارجية، تستفيد منها في تعزيز سيطرتها وتوطيد قبضتها في الداخل المحلي الإيراني، عن طريق التضليل الفكري بقضيتها القومية التي تبرر فرض قوتها الاستبدادية على الشعب الإيراني بهيبة الحرس الثوري الموظف في إخماد أية حركة شعبية مطالبة بحقوقها المسلوبة رغم محدودية دخل المواطن الإيراني وتضخم الانهيار الاقتصادي نتيجة الاستثمار المالي العائد إلى مدخرات أرباب السلطة البعيدة عن المصلحة العامة.
ونظرًا لأذرعها السياسية الحليفة والمؤمنة بمنطلقها المذهبي ونزعتها الطائفية التي تعد طرفًا من نوع الإسلام السياسي، والمتمثلة في "حزب الله اللبناني" الذي يتباهى تزييفًا في عداء إسرائيل، وبموقفه العربي تجاه المقاومة الفلسطينية، رغم الفرص الزمنية المارة في تصعيد المقاومة الفلسطينية، لم يطلق شرارة نارية تثبت خصومته لإسرائيل، وآخرها عملية طوفان الأقصى التي لم نلمس من حزب الله سوى الخطابات الاستعراضية الرنانة بدون أية مواجهة فعلية في الدفاع عن قطاع غزة، رغم الطاقة القتالية لدى مقاتليه، والتي تم الاستهلاك منها في مواجهة ثوار سوريا في الدفاع عن النظام السوري، وبما أن حزب الله إحدى القوى السياسية الممثلة في المجتمع اللبناني، والمشاركة في التوقيع على اتفاقية الحدود الإسرائيلية اللبنانية، يعد ذلك اعترافًا منه بالكيان الصهيوني الغاصب.
وبنفس النهج المذهبي والممارسة السياسية العقيمة والبعيدة عن ماهية الدولة الراعية للمجتمع الإنساني، تبرز جماعة الحوثي الحليفة للنظام الإيراني، بالاهتمام التقليدي بالقضية الفلسطينية بهدف تغييب حقوق الشعب اليمني، رغم صلتها الخفية بالأنظمة الغربية، ويثبت ذلك مساعدة المخابرات الأمريكية لها بالدخول إلى صنعاء، وهجرة آخر مجموعة يهودية من اليمن في عهد المليشيا الحوثية 2016م، حاملين أقدم نسخة للتوراة كانت محفوظة لديهم.
وبما أن الحوثي يفكر في اجتياح مأرب وتعز وغيرهما من المحافظات اليمنية، بهدف الاستيلاء على الموارد النفطية والغازية والبحرية، ويشرع من أجل ذلك في سفك دماء اليمنيين والضرب العشوائي إلى الأحياء السكنية في المناطق المحررة، يستحيل على المنطق العقلاني أن يتقبل مصداقية عصابة الحوثي التي لم تقدم على إزهاق روح يهودي غاصب، وفي المقابل تستبيح دماء آلاف اليمنيين بنفس وحشية النظام الإيراني الذي لم يخدم القضية الفلسطينية بقوته العتيدة، وتكريسها في اضطهاد الشعب الإيراني، وكبت حريته الشخصية والسياسية، بهدف توطيد تبيعته المطلقة له.