كرامة الميت دفنه".. هكذا تقول المأثورات. لكن؛ ماذا عن "كرامة الحيّ"؟! 
الذين لديهم "كرامة" لا يتحدثون عنها، بينما الذين ينتهكون "كرامة البشر"، ويزدرون إنسانيتهم.. يشبعون الدنيا ضجيجًا بهذه المفردة التي باتت أكثر المفردات تكرارًا واستهلاكًا لدى "الأنظمة الشمولية"!
وبالذات في خطب وخطابات أنظمة ما تسمى "دول الممانعة"!

حسب (السيد) "حسن نصر الله": "نحن نعيش بلا كهرباء ولا ماء ولا جسور ولا طرقات.. ولكن لا يمكن أن نعيش بلا كرامة"!
بدورها، تخرج خطب الحوثي من كهفه المجهول مثقلة بهذه المفردة، وبنفس المعنى الشمولي، وفحواه: لا أهمية للطعام والشراب والمسكن والملبس والراتب.. المهم هو "الكرامة"!
• ما الذي يميز الحياة بدون هذه الحاجات الضرورية، عن الموت؟!
• ما الذي يميز بلدًا بدون حرية وأمن وخدمات وبنية تحتية.. عن القبر؟!
• ثمّ: من أين تأتي "الكرامة" لشخص محروم مريض جائع.. أو لشعب مقموع فقير معزول عن العالم والعصر والحياة؟!
من يدري؟!
"الحوثي" فقط يفهم هذه الدوغمائية، ولا يبالي بتوفير حتى الحد الأدنى من الغذاء والدواء للمرضى والجائعين الذين تتزايد أعدادهم بسرعة مرعبة! 
المهم لديه فقط أن تتوفر "الكرامة":
- الأوبئة تحصد الأطفال.. وهو يخطب عن "الكرامة"!
- الفقر يكسر ظهور الرجال.. وهو يتشدق بـ"الكرامة"!
- الحاجة تهتك شرف النساء.. وهو يتنطع بـ"الكرامة"!
- المجاعة تسحق الجميع.. وهو يزايد بـ"الكرامة"!
عن أي كرامة يتحدث هذا "الغول البشع"؟! خاصةً وأنه هو نفسه من أهان اليمنيين، واعتدى على شرفهم، واحتقر إنسانيتهم، وداس على كرامتهم:
- انقلب على شرعيتهم، وإجماعهم الوطني.
- أسقط دولتهم، وملشن جيشهم، ونهب مؤسساتهم.
- مزّق نسيجهم الاجتماعي، ووحدتهم الوطنية.
- دمر مدنهم، وبيوتهم، ومصادر رزقهم.
• تسبب بجعلهم:
- عالة على العالم.
- يشحتون الغذاء والدواء من المجتمع الدولي.
- ويعيشون على الصدقات والمعونات والإغاثات الإنسانية.
ومع ذلك يصر في كل خطاب على ترديد وتفخيم وتنغيم كلمة "الكرامة"!
إصراره على تسمية هذا الاحتقار والإذلال الذي يمارسه في حق الشعب، وهذه الحياة المهينة التي أنتجها وانتهجها وتسبب بها لهم.. "كرامة"، هو ازدراء لعقول اليمنيين، وإهانة غبية إضافية لكرامتهم. 
جزء مهم من مشكلة هذا الرجل أنه لم يدخل مدرسة، ولم يتحصل حتى على القليل من الثقافة التي كانت كفيلة بتعليمه أن "الكرامة" بأبسط معانيها العملية:
هي الخبز: فلا كرامة لجائع.
هي السكن: فلا كرامة لمشرد.
هي الدواء: فلا كرامة لمريض.
هي العمل: فلا كرامة لعاطل.
هي الكفاية: فلا كرامة لمحتاج.
هي الخصوصية: فلا كرامة لمنتهَك.
هي الاستقلال: فلا كرامة لتابع.
هي الإرادة: فلا كرامة لمُجبَر.
هي الاحترام: فلا كرامة لمُهان.
هي الاهتمام: فلا كرامة لمهمَل.
هي القدرة: فلا كرامة لعاجز.
هي التقدير: فلا كرامة لمنبوذ.
هي الجرأة: فلا كرامة لمقموع.
هي الكبرياء: فلا كرامة لمتسول.
هي العزة: فلا كرامة لذليل.
وهي العدل والحرية والمساوة والأمن والحقوق.. فلا كرامة للإنسان في ظل نظام ثيوقراطي قروسطي مخصص فقط لخدمة سلالة معينة وفق التمييز العنصري، الذي هو بحد ذاته أكبر إهانة يمكن أن توجَّه لكرامة أي شعب في العالم.

وفي مقابل أن "الكرامة" هي شعور الفرد بأن له قيمة، وأن يُحترم لذاته، وأن يُعامل بطريقة أخلاقية.. لم تحترم ما تسمى(المسيرة القرآنية) في طريقها أي عرف أو قانون، ولم تترك في مناطق سيطرتها أيّ قيمة أو اعتبار لفرد أو جماعة..!
لا يجرؤ أحد حتى على الاحتفال بأعياده الوطنية ورفع علم بلده فيها؛ خوفًا من الاعتقال! 
مئات الآلاف من الموظفين يعملون منذ تسع سنوات بلا رواتب.. ولا يجرؤون على المطالبة برواتبهم التي هي طعام أطفالهم!
هذه هي الجماعة الحوثية، تجلٍّ بالغ الفجاجة لـ"العقيدة المؤمنة والسلوك الزنديق" في تعميم الممارسة، وتخصيص الخطاب للمزايدات الانتهازية وابتزاز الشرفاء، وإغواء البسطاء واستقطاب السذج.. كمقاتلين أو خدم.

من يقنع الحوثي أن يحاول- من أجل كرامته هو نفسه على الأقل- استيعاب عبارة فولتير: "إن التعذيب يهدر "الكرامة" الإنسانية، ليس فقط كرامة المتهم، بل أيضًا كرامة الحاكم؛ لأن هذا الأخير بتعذيبه إنسانًا مثله يكون فاقدًا معنى الإنسانية بكاملها"؟!
الرجل لا يبالي حتى بكرامته هو شخصيًا، ولو كان يستشعر مسؤولية "الكرامة" لكان الإضراب عن الطعام حتى الموت هو خطوته المقبلة، إذا عرف: أن " أكثر من عشرة ملايين يمني لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة"!
لو كانت له كرامة لبادر بالانتحار في أسرع وقت، وهو يعرف أن حياته تعني "موت طفل يمني أو أكثر كل عشر دقائق"!
لو كانت له كرامة، لحل مليشياته، وسلم السلطة، واعتزل السياسة.. أسوةً بزعماء عرب تركوا كل شيء أمام مظاهرات سلمية، مع أنه لا وجه للمقارنة، فهم- رغم كل شيء- كانوا رجال دولة، وكانت لهم إيجابيات، بينما هو أمير حرب، وبلا حسنات، والرفض الشعبي له شامل وكامل، وبكل أشكال وأنواع الرفض.
لكنّ الحوثي يسرق حتى مواد الإغاثة الإنسانية المقدمة للجائعين بسببه، ويبيعها في السوق السوداء! ومع ذلك يدّعي "الكرامة"!.. بل ويعِد اليمنيين بها!!
فاقد الشيء لا يعطيه.. والحوثي لا يمكنه أن يعطي غير الحرب والموت والتشرد والإذلال.. وقد وفرها بجدارة. أمّا "الكرامة" فليست ضمن مشروعه ولا توجهه ولا ثقافته ولا قيمه.. ولا علاقة له بها إلا كقاتل، حسب الكاريكاتير الشعري لـ"أحمد مطر":
في مقلب القمامهْ..
رأيت جثةً لها ملامح الأعرابْ.
تجمعت من حولها النسور والذبابْ.
وفوقها علامهْ
تقول هذي جثةٌ 
كانت تسمّى سابقًا "كرامهْ".

التجربة الحوثية، على كارثيتها، تراجيديا هزلية هزيلة، طافحة بالمفارقات وعلامات التعجب والاستفهام:
• ما الذي يعرفه الحوثي عن "الكرامة" حتى يتحدث عنها، وما الذي تركه لليمنيين من كرامة حتى يطالب بها لليمن؟!
• وكيف تتوفر "الكرامة" للوطن، إذا لم تتوفر للمواطنين؟!
ثمّ: ماذا تعني "الكرامة" في ظل واقع تنكمش فيه وتتلاشى كل مظاهر الحياة؟!
وحدها المقابر والسجون والمليشيات هي التي ازدهرت وتتمدد في هذا العهد الملعون، كما لو أنها ستلتهم كل شيء في اليمن!
• ماذا تعني "الكرامة" المفرغة من "الكرامة"؟!
• ماذا تعني "الكرامة" من فم الجلاد؟!
• ماذا تعني "الكرامة" في زمن الرماد.. زمن المجاعة والكوليرا.. زمن القمع والخوف والتعاسة.. زمن الحوثي وداعش وحسن نصر الله؟!
• ماذا تعني "الكرامة"، عندما تكون "كرامة الحي دفنه"؟!

أخبار من القسم