(رأي) الجمهورية مرتبات والإمامة جبايات
سقطت كل الحُجج والذرائع، ونفدت مخازن التبريرات والحيل، وتعرت نوايا المليشيات وبان زيفها وتدليسها واختلاق الأعذار لشعب صمت سنوات مخدوعاً بتلك الأقنعة التي امتصت غضبه، وقللت من سخطه على جماعة تهربت كثيراً من دفع مرتباته، وتتمظهر بأنها سلطة حقيقية تبقي مجرى الحياة جارياً والقوت اليومي متوفراً.
لم يدرك اليمنيون الفرق الجوهري بين حكم الإمامة وبين النظام الجمهوري إلا بكون الأخير ألغى الجبايات والإتاوات وربط وجوده بوجود مرتبات غيرت مسار الحياة كلياً، وعلى امتداد خمسة عقود بقي هذا الخيط ثابتاً وحاضراً عند اليمنيين لاستشعارهم بأن هناك دولة وسلطة قائمة، حتى عادت فلول الإمامة من كهوفها وتفشى فيروسها في أرجاء اليمن، معيدة الوضع إلى نقطة العدم، حيث جمّدت المرتبات وأحيت الإتاوات وبعثت الجبايات أضعافاً، واختلقت الأفعال والأقول لتبرير اختلاس عظم وجلد شعب اليمن.
وفي هذه المرحلة، تشكل المرتبات التحدي الأخطر الذي يواجه الجماعة بعد أن استشعر الداخل والخارج تعنتها وإغلاقها أي منفذ يفضي إلى تسليم المرتبات، سواء من الإيرادات المهولة التي تجنيها من فوارق المشتقات النفطية، أو من الموانئ والجمارك وكثير من الموارد، أو عبر التحالف والحكومة الشرعية مقابل السماح بتصدير النفط والغاز اليمني؛ لكنها أبت ووضعت الشروط التعسفية التي يستحيل الموافقة عليها بغية عزوف المجتمع الدولي والإقليمي عن هذه الفكرة.
والحقيقة المُرة التي يجهلها الكثيرون أن الحوثيين إماميون، والإمامة عبر تاريخها الطويل لا تؤمن بشيء اسمه مرتبات، ولم يُعرف عنها غير الجبايات، فانتظام العلاقة بينها كسلطة حاكمة وبين المجتمع كزخم سكاني محكوم، لا يتضمن دفع مرتبات ولا ينص على الإبقاء على نمط الحياة السائد قبل استحواذها الانقلابي على سلطة الجمهورية وملامح الدولة المتكفلة بتوفير احتياجات الشعب.
والذي لا يزال يعتقد غير هذا فهو أحمق وساذج ومغفل؛ لأن الإمامة عقيدة سلالية رجعية شبيهة بقطاع الطرق النهابين، ولا يمكن حتى أن نطلق عليها مسمى عصابة مافيا كون العصابات حين تُحكم قبضتها بمنطقة ما فإنها تتكفل على الأقل بمتطلبات سكان المنطقة والحي الذي تختبئ وسطه كما نعرف عن مافيا المخدرات والسلاح في أنحاء العالم؛ لكن هذه الفئة العنصرية تنظر للآخر بوصفه مجرد عبد خُلق لخدمتها وتبجيلها وكل ما يملك ملكٌ لها، ولا يحق له أن يطالبها بالفتات، وعليه أن يموت لأجلها دون تردد، وتعِده بالجنة كونه اتبع أوامر "الله" في السير على الشاكلة التي سنَّها على عباده تجاه هذه الفئة الرجعية.
ولذا؛ فمن السذاجة بمكان استمرار مباحثات السلام التي تُجرى مع هذه الجماعة من قِبل الأشقاء والأصدقاء، والتفاوض معها بخصوص صرف المرتبات على أساس أنها سلطة أمر واقع تهتم بأوضاع وحال الناس تحت سيطرتها، وهذا خطأ فادح من قِبل رعاة السلام؛ لأن هذه الجماعة لن تلتزم إطلاقاً بهذا الأمر حتى لو ضخت الأموال لخزينتها، كما أنها عارضت بشدة الصرف عن طريق جهة خارجية محايدة، واعتبرته تدخلاً في شؤونها الداخلية التي لا يحق لأي وسيط حشر نفسه في إدارتها لمواطنيها، وطريقة تعاملها معهم.
وعليه؛ فإن الحوثيين إماميون حتى النخاع، ولن يستطيعوا إثبات عكس ذلك، ولن يقبلوا أبدًا بصرف المرتبات، ويجب على اليمنيين التفكير بجدية مطلقة من أجل استعادة جمهوريتهم إذا كانوا يرغبون بعودة أمنهم واستقرارهم ومرتباتهم، وإلا فليصمتوا ويموتوا غيظاً وكمداً، ما داموا ينظرون للسلالة باعتبارها فئة تصلح للحكم ويمكن التعايش معها.