كسلطة أمر واقع، حلّت محل الدولة، وتمارس الجباية بأقسى وأعنف الأشكال- الشرعية وغير الشرعية، القديمة والحديثة- بدون أي التزامات بديهية في المقابل؛ تحاول الجماعة الحوثية، منذ بداية الانقلاب، وبشتى السبل اللئيمة، التنصل من واجباتها الأكثر أولوية تجاه الشعب اليمني! وبالذات تجاه موظفي الدولة، بالتهرب من دفع مستحقاتهم، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية والمكتسبة، وفوق كل ذلك تحتقر ذكاء اليمنيين عمومًا بحُجج أقل ما يقال عنها أنها سمجة مضحكة، بقدر مأساويتها على صعيد آدمية وحقوق الإنسان.

لم تكن حُجّة "العدوان" تنطلي حتى على موظفي الدولة من المغرر بهم، وهم يبيعون مدخراتهم الشحيحة لإطعام أطفالهم، ويرون الأموال العامة والخاصة تتحول لدى قيادات الجماعة إلى كروش وعمارات وعقارات تتمدد رأسيًا وأفقيًا!

انتهت الصلاحية الزائفة لهذه الحُجّة منذ سنوات، ومع ذلك ما يزالون يقولون للناس إنهم يدافعون عن شرف اليمنيين وكرامتهم، في الوقت الذي ينتهكون فيه إنسانية الإنسان وكرامته وشرفه، وحسب تعبير "مجلي الصمدي":

كانوا يوسعونني ضربًا وإهانة أمام الناس، وهم يقولون:

"الشهداء دافعوا عن شرفك وكرامتك"!

(كانوا يقولون هذا الكلام، وأنا تحت أقدامهم..

طيب وأين كرامتي الآن، وأنت تستبيحها بالشارع أمام خلق الله؟!!).

"مجلي الصمدي" إعلامي شريف كان يمتلك "إذاعة محلية" قام الحوثيون بمصادرتها، ومنعه حتى من حق التقاضي لاستردادها، قطعوا مصدر رزقه، فتذكر راتبه المقطوع من سنوات، وكتب ما فحواه: إن "النبي" (ص) ليس بحاجة لراتب الموظف اليمني..

كانت الجماعة- أصلًا- قد اخترعت- بعد سقوط حُجّة "العدوان"- حُجّة أقل معقولية منها، تجعل "النبي" (ص) طرفًا في قضية الراتب، باعتباره محتاجًا- من خلال "آل بيته" الذين يمثلونه- إلى أموال طائلة، هي رواتب الموظفين، للاحتفال به، والدفاع عنه!

هذه الحُجّة هي الأكثر تهافتًا وهشاشة وسماجة وازدراء لذكاء الإنسان على الإطلاق، كمساومة بائسة للموظف بين اختيار النبي أو اختيار الراتب، ومن لم يختر التضحية بمرتبه من أجل النبي (ص)، فهو كافر ومنافق وعميل ومرتزق!

ولأن هذه الحُجّة بهذه الدرجة من الضعف والهشاشة.. كان لا بد من إسنادها بالسلاح والعنف، أمام من تثير سخريتهم، مثل مجلي الصمدي، الذي شكك بالعلاقة بين النبي والراتب، فما كان منهم إلا أن اعتدوا عليه بالضرب والسحل، ثم قامت قياداتهم بتكفيره وتخوينه عبر مواقع التواصل الاجتماعي!! ثم قاموا بتكفير وتخوين كل يمني يفكر بنفس الطريقة.

 

مؤخرًا، خرج الكوز الحوثي في دار الرئاسة "مهدي المشاط" واتهم مئات الآلاف من اليمنيين بأنهم خونة وعملاء للسفارة الأمريكية والعدوان.. والدليل أنهم يطالبون برواتهم!

كيف يمكن تبرئة كل هؤلاء من هذه التهمة، وقد قُبض عليهم جميعًا متلبسين بهذه الجريمة الوطنية الجسيمة "المطالبة بالراتب؟!

على الصعيد الكهنوتي، كتب أحد قياداتهم: "راتب المنافق أهم من نبيه"!!

ما هذه المفاضلة الساذجة؟! ما علاقة النبي بطعام أطفال موظفي اليمن؟!

ابتزاز حقير يتنافى حتى مع الفطرة الإنسانية؛ أمام الجوع لا معنى للأديان والعقائد والأنبياء.. وإذا كان لا بد للجائع من الاختيار، فرغيف الخبز أهم لديه من الله وملائكته وكتبه ورسله..!

يريدون جعل النبي خصمًا للإنسان والشعب اليمني، والمسؤول عن نهب ثرواته، وسرقة أمواله، وعدم دفع راتبه!

كتب قيادي آخر: "لم تكن هناك مرتبات في عهد النبي"!!

هذه الحُجّة محترمة أكثر، كونها تعني مباشرة أن على الموظفين اليمنيين غسل أيديهم تمامًا من أمل "المرتبات"، لأنها ظاهرة حديثة وانحراف عن الإسلام الصحيح، الذي باتت هذه الجماعة تمثله!

وهذا في الواقع هو الذي يعبّر عن رأي الجماعة ورؤيتها، واستراتيجيتها المستقبلية. الإمامة في اليمن، على اختلاف دولها المتتابعة، كانت تأخذ كل شيء من اليمن؛ الأرض والإنسان، ولا تؤمن بأي التزامات مقابلة، وتخادع الشعب بتُرّهات سخيفة كما لو أنها ترى في رؤوس الشعب مجرد (مَباوِل) لترهاتها المبتذلة!

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية