الدكتور صادق القاضي يكتب لـ " 2 ديسمبر " : "الإمامة العائدة" وعقبة "الاسم الجمهوري"
لماذا لم تقم "الجماعة الحوثية"، طوال السنوات العجاف الماضية، وحتى اليوم، بإطلاق اسم "الإمامة"، بشكل رسمي، على هذا النظام السياسي الكهنوتي الإمامي الذي أعادته نظرياً، وتحكم به عملياً جزءاً كبيراً من اليمن؟!
هناك إجابات كثيرة.. يهمنا منها هنا رأي هذه "الجماعة" نفسها؛ فهي تعلل لاحتفاظها بالاسم الجمهوري بأنها- كما يصرح بعض قياداتها بين فينة وأخرى- حركة ثورية جمهورية، وليست امتداداً للنظام الإمامي البائد!
لم يعُد مثل هذا الكلام الصادر عن "الإمامة العائدة"، ينطلي حتى على السذج، فهي "فعلياً" قد أسقطت "المسمّى" النظام الجمهوري نفسه، في مناطق سيطرتها، وقامت بإفراغه من كل مضامينه الأساسية الجوهرية في تجربتها التسلطية الراهنة.
لم يبقَ أمامها سوى إسقاط "الاسم" فقط، وقد تبدو مسألة شكلية، وأنها احتفظت وستحتفظ بهذا "الاسم" كديكور عصري لنظامها "الكهنوتي"، على غرار أسيادها (ملالي نظام الثورة الإسلامية في إيران).
لكن الواقع أنها بقدر تماهيها سياسياً وعسكرياً وإعلامياً وعاطفياً.. مع مشروع النظام الإيراني، حتى في شكل النظام: مؤسسات شكلية، ووصي "مرشد" يدير كل شيء من الأعلى.. أقرب لنظام الإمامة التاريخي في اليمن.
فضلاً عن كون الخلفية الزيدية مغايرة في هذا السياق.. وبالتالي؛ لا يخطط زعيم هذه الجماعة أن يكون "مرشداً" عابراً على غرار المرشد الإيراني، بل ملكاً ثابتاً على منوال أسلافه من الأئمة في اليمن.
بنية الجماعة وأدبياتها وممارساتها وقراراتها تؤكد أنها ساعية في هذا الاتجاه، بل إنها أعادت نظام الإمامة بشكل مادي، وتحتفظ بـ"الاسم الجمهوري" كورقة "براجماتية" خالصة، تكتيك وصولي مرحلي عابر، حتى تستتب لها الأمور تماماً في اليمن.
"العقبة الكبرى" التي حالت، وتحول دون قيامها بهذا الإجراء "تغيير الاسم"، تتعلق بشكل جوهري عميق بوعي وفكر وثقافة وعقيدة ووجدان الغالبية الساحقة من الشعب اليمني:
أولاً: "النظام الجمهوري"، رغم كل شيء، لم يسقط كقيم عليا تتجاوز معناها السياسي لتصبح جزءاً جوهرياً من وعي ووجدان عموم الشعب اليمني.
وثانياً: "النظام الإمامي" البغيض، ما زال بغيضاً، سيئ السمعة، مرفوضاً حتى من قِبل كثير من المضطرين للعمل معها، فضلاً عن بعض "المتحوثين" والمغرر بهم الذين يقاتلون في صفوفها. هذه العقبة الثقافية كؤودة للغاية، كواقع لا يمكن تغييره بالسلاح؛ يمكن بالسلاح قتل أو أسر الجسد، لكن لا يمكنه قتل أو أسر العقل والروح.. الجماعة على وعي تام بهذه النقطة، منذ البدء، وتراهن، وتعمل على تغيير هذا الواقع الذهني العام بالوسائل الناعمة.
هذه مهمة وجودية مصيرية، بالنسبة للجماعة الحوثية التي دشنت لها "بروبجندا" إعلامية ثقافية فكرية خاصة، سخّرت لها كل إمكانياتها وإمكانيات الدولة:
- وسائل الإعلام بمختلف أنواعها.
- المؤسسات الثقافية بمختلف أشكالها.
- المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها.
- المراكز الدينية "المساجد".
- المراكز الصيفية التعليمية.
- الدورات الثقافية.
- الاحتفالات بالمناسبات الطائفية.
-الكتيبات والكتب المؤدلجة..
إلى آخر هذه الوسائل والأدوات الموظفة لخدمة غاية استراتيجية واحدة هي: ترسيخ رؤى وآراء وتوجهات هذه الجماعة، وأيديولوجيتها العنصرية الكهنوتية، وإعادة صياغة الذاكرة الجمعية والوجدان العام في اليمن.
وفيما يتعلق بخططها تجاه "الاسم الجمهوري"، وهي مسألة ليست شكلية كما تبدو، تقتضي العملية بالضرورة التمهيد لها بتزييف التاريخ اليمني القديم والحديث، بما يتضمن عفوياً:
- تجميل التجربة الإمامية البغيضة البائدة، من جهة.
- وتشويه التجربة الجمهورية العظيمة التي دشنتها ثورة 26سبتمبر 1962م المجيدة، من جهة أخرى.
وبطبيعة الحال؛ لم تنجح هذه الجماعة حتى في تحقيق هذا الهدف الضمني، هذه الجماعة الطامحة للاستحواذ على كل شيء في اليمن، عجزت- حتى اليوم على الأقل- عن الاستحواذ على عقل الإنسان، وضميره، أو تفكيك وتفتيت الثقافة والعقيدة الوطنية العامة التي هي الجدار الناري أمام كل محاولات التجريف والاستلاب الشامل.