الحشد والتعبئة وشراء الولاءات ودعم الجبهات.. الوجهة الحقيقية للمساعدات الإنسانية في مناطق سيطرة الحوثي (تقرير)
بعد أن تسببت مليشيا الحوثي في أكبر كارثة إنسانية في العالم، وأسهمت في توسع رقعة الفقر في اليمن، وانعدام الأمن الغذائي، من خلال تدمير مؤسسات الدولة ونهب ممتلكات المواطنين ورفض دفع مرتبات الموظفين، قامت بنهب المساعدات الإغاثية التي تعد الشريان الأخير لإعانة اليمنيين لتجاوز الكارثة التي يواجهونها طيلة السنوات الماضية.
حوّلت المليشيا المدعومة إيرانياً ملف المساعدات الإغاثية من إحدى وسائل العون والتضامن الدولي والإقليمي مع اليمنيين، إلى وسيلة للإثراء ومورد اقتصادي جديد لها، من خلال الاستيلاء على أغلب المساعدات الإنسانية والتأثير على عملية توزيعها.
أسست المليشيا شبكات متعددة لنهب المساعدات الإغاثية الدولية الموجهة إلى اليمن عبر منظمات دولية، وقامت بتسخيرها لعناصرها وبيعها أو تسليمها إلى تجار موالين للجماعة.
ومنذ بداية الحرب شهد ملف المساعدات والعمل الإنساني في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي عدداً من القيود والتحديات التي أسهمت بشكل كبير في تحويل نسبة كبيرة من تلك المساعدات إلى غير مستحقيها، وجعلت هذا الملف أحد الموارد المهمة للقيادات الحوثية وللجماعة ككل.
قيود حوثية
فرضت المليشيا على مكتب منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في اليمن (أوتشا) شرط الحصول على تصاريح لإجراء المسوحات من المجلس نفسه، ومن وزارة داخلية الانقلاب وأجهزتها الاستخبارية، وفي مقدمها ما يسمى بـ"الأمن الوقائي".
وتحتاج الاستمارة الخاصة بالتصريح إلى ما يقارب خمسة أشهر، من أجل تقديمها وإجراء التعديلات عليها ثم اعتمادها، في حين لا تزيد مدة أي مشروع إغاثي عن 9 أشهر، وهو ما يعطي الميليشيات فرصة للتحكم في مسار المساعدات، وتجييرها لخدمتها.
وتتيح الآلية الحوثية لقيادات ومشرفي المليشيا الاستحواذ على حصص من وكالات الإغاثة والدعم الإنساني المقـدم إلى اليمن، وذلك من خلال التحكم في تمويل برامج وأنشطة الإغاثة الإنسانية في اليمن.
وعبر مجلسها للشئون الإنسانية فرضت مليشيا الحوثي نسبة 2% من قيمة المشاريع الإنسانية وأعمال الإغاثة التي تنفذ في مناطق سيطرتها ولا تمنح المنظمات تصاريح عمل وتنفيذ المشاريع إلا بعد دفعها.
واعترضت المنظمات الأممية على الإجراء الحوثي، كما أدان مجلس الأمن استيلاء الحوثيين على المساعدات الإنسانية وذلك بناءً على تقرير مقدم من المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي خلال جلسة عقدها مجلس الأمن.
صراع حوثي على نهب المساعدات
تطوّر التنافس بين قيادات حوثية على نهب مساعدات دولية في العاصمة المختطفة صنعاء، إلى صراع أجنحة داخل المستويات القيادية الحوثية، بعد تزايد التوتر بين المنظمات الإنسانية وما يسمى مجلس تنسيق المساعدات المستحدث من قبل المليشيات نتيجة تزايد سرقة المساعدات.
ونفذ المجلس الحوثي حملة ممنهجة على مخازن المنظمات الإغاثية، وقام بنهبها بذريعة انتهاء صلاحية المواد المخزنة، كما قام بمسرحية بعض المواد، وفي الحقيقة قام بنهب أكثر من خمسين طناً من القمح من مخازن برنامج الغذاء العالمي في مديرية عبس بمحافظة حجة.
وكشفت مصادر مطلعة، أن التنافس كان بين طرف مهدي المشاط وأحمد حامد من جهة، ومحمد علي الحوثي من جهة أخرى، حيث تم تعيين المدعو عبدالمحسن الطاووس مسؤولا عن مجلس تنسيق المساعدات الموالي لأحمد حامد ومهدي المشاط.
وفي ضوء هذا الخلاف تم إقال الطاووس وتعيين المدعو إبراهيم الحملي على رأس المجلس المشرف على المنظمات، قبل أن يعود الطاووس برفقة مسلحين لاقتحام مقر المجلس والاستمرار في منصبه بالقوة.
المجهود الحربي
وكان تقرير لخبراء الأمم المتحدة قد أكد نهب مليشيا الحوثي المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية لليمن، وتحويل نسبة كبيرة منها للتموين والدعم اللوجستي للمقاتلين الحوثيين في الجبهات.
كما حصلت القوات الحكومية بعد سيطرتها على بعض المواقع على مواد غذائية عليها شعارات اليونسيف وبرنامج الغذاء العالمي، في تأكيد على أن المليشيا تحرم ملايين الفقراء من المساعدات المقدمة من برامج ووكالات الإغاثة وتحولها لدعم مقاتليها في الجبهات.
وبحسب المصادر، فإن الأغذية الخفيفة والمعلبات يتم تحويلها بشكل شبه كامل إلى الجبهات، خاصة التونة والأجبان، والبقوليات، على أن تكتفي بتوزيع المواد الجافة على أسر قتلاها والموالين لها.
وأشارت المصادر إلى أن المليشيا تستخدم المساعدات في تموين القوافل التي تسيرها باسم المديريات والمؤسسات الحكومية لدعم مقاتليها في الجبهات، من أجل إظهار نوع من الدعم الوهمي المجتمعي للمليشيا، وفي حقيقة الأمر ما يتم تسييره للمقاتلين، هي عبارة عن جبايات تؤخذ بشكل إجباري، ومساعدات تم نهبها.
التلاعب بكشوف المستحقين
كان التلاعب بكشوف المستفيدين إحدى وسائل المليشيا لنهب المساعدات والمواد الاغاثية، وظلت لفترات طويلة تماطل في تنفيذ نظام بيانات القياسات الحيوية للتحقق من الهوية، والذي يهدف لمكافحة الفساد في توزيع المساعدات.
وتسبب الخلاف الذي نشب بين برنامج الغذاء العالمي ومليشيا الحوثي في 2019م، في تعليق البرنامج لعمله بشكل مؤقت احتجاجا من أجل الضغط على الحوثيين لتطبيق نظام التحقق من الهوية، المعمول به عالميا لمكافحة الفساد في توزيع المساعدات، منذ أن اكتشف في ديسمبر 2018 حدوث تلاعب بصورة منهجية في الأغذية التي يجري توزيعها في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين من خلال شريك محلي على صلة بالحوثيين.
وكشفت مصادر مطلعة، عن فساد وتلاعب المليشيات الحوثية في المجال الإغاثي والتي تتنوع بين نهب المساعدات والتلاعب بأسماء المستفيدين وتحويل المساعدات لصالح عناصرها في جبهات القتال.
وأوضحت أن المليشيات تلاعبت بكشوف المساعدات الخاصة بنحو 90 ألف أسرة بمحافظة الجوف، ونحو 3600 مستفيد بمحافظة ذمار.
فيما قالت منظمة ميون إنها تحققت من أن المسوحات الميدانية لحصر حالات المستفيدين التي نفذها المجلس الأعلى لتنسيق وإدارة الشؤون الإنسانية الحوثي وفروعه في المحافظات خلال العام 2017 والعام 2018، خالفت بشكل قاطع المعايير الواجب الالتزام بها في حصر الحالات.
وفضحت المنظمة إقدام المجلس الأعلى لتنسيق وإدارة الشؤون الإنسانية الحوثي وفروعه على إضافة أسماء مقاتليها وأسر المنتمين لها بمن فيهم القتلى والجرحى وأعضاء لجان التجنيد إلى كشوف الحالات المستفيدة من المساعدات الغذائية والمالية وحرمان الأسر المستحقة منها.
وكشفت مصادر خاصة عن استخدام مليشيا الحوثي للمساعدات حيث توزعها على مقاتليها في معسكرات التدريب، كما ضمنت أسماء مجنديها وعائلات قتلاها وجرحاها ضمن كشوف المخصصات الغذائية المقدمة للنازحين.
الأسواق السوداء
تؤكد مصادر اقتصادية، أن مليشيا الحوثي تدير سوقاً سوداء لبيع المواد الإغاثية والإنسانية على غرار السوق السوداء التي أنشأتها لبيع المشتقات النفطية وجنت من خلالها مئات الملايين من الدولارات.
وأظهر تقرير لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أن كثيراً من المساعدات تذهب إلى تجار في السوق السوداء.
وتضمن التقرير إفادات لبعض التجار -دون الإفصاح عن أسمائهم- أكدوا فيها أن المساعدات الإنسانية المقدمة كإغاثة للمتضررين والنازحين مثل القمح والأرز وزيت الطبخ والتونة والفرش والبطانيات، تباع عليهم بطريقة ممنهجة وبتنسيق مع بعض القادة الحوثيين الذين يستولون عليها ويفترض أنهم يتولون عملية توزيعها على المحتاجين.
ونقل التقرير عن أحد التجار بصنعاء قوله "في بداية الأمر حاولنا تجنب شراء تلك المواد لأنها مسروقة، لكننا تفاجأنا أنها غطت السوق بشكل كبير وبدأ الكثير من التجار التعامل مع من يبيعون مواد الإغاثة مما أحدث ركودا لدينا حيث بات المواطنون يقبلون على شراء المواد الإغاثية نظرا لانخفاض قيمتها".
وفي السياق، اتهمت منظمة ميون لحقوق والإنسان والتنمية قيادات الحوثي ببيع المواد الإغاثية التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي في 4 محافظات يمنية في السوق السوداء، إضافة إلى سرقة المساعدات النقدية.
وفضحت تورط كل من الرئيس التنفيذي للمجلس الأعلى لتنسيق وإدارة الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي الحوثي، أحمد حامد، والأمين العام عبدالمحسن الطاووس، في بيع المساعدات الغذائية وتصريفها عبر تجار منتمين للمليشيا.
الاستغلال السياسي
وتستقطع مليشيا الحوثي كميات من المساعدات، وتديرها في تمويل وضعها السياسي والعسكري، وتوظف ملف المساعدات في مناطق سيطرتها للولاء الشخصي والعلاقات الاجتماعية للقيادات.
وتستغل مليشيا الحوثي ملف المساعدات في الجانب السياسي، من حيث الاهتمام بالموالين لها، وأسر عناصرها والمقاتلين معها، بتخصيص نسبة كبيرة من المساعدات المقدمة من المنظمات الأممية لتلك الأسر، مقابل حرمان المستحقين والمستهدفين، وهم الشريحة العريضة المتضررة من سياسة التجويع الحوثية.
كما تستخدم المليشيا المساعدات الإغاثية، في مجال الحشد والتعبئة للحضور والمشاركة في فعالياتها، من خلال توزيع سلال غذائية على مشرفي المليشيا في المديريات والذين بدورهم يخصصونها لبعض الوجاهات لاستخدامها كوسيلة ترغيب لبعض المواطنين للحضور والمشاركة في المناسبات والاحتفالات الطائفية الحوثية.
وتؤكد مصادر في صنعاء، أن قيادات المليشيا وعبر عدد من المنظمات الحوثية المستحدثة مثل بنيان، ومؤسسة أسر القتلى الحوثيين، تعمل في توزيع سلل غذائية لأمهات الأطفال وآبائهم من أجل الموافقة على إلحاق أبنائهم بمعسكرات التدريب والزج بهم للمشاركة في الحرب، وهي الوسيلة ذاتها التي تستخدمها المليشيا لترغيب أولياء الأمور للدفع بأبنائهم للمشاركة في المعسكرات والمراكز الصيفية والدورات الثقافية الحوثية.