( رأي) التعليم والحوثة...واقع من الماضي الإمامي
في صباحات الطلاب الذاهبين يوميًا نحو مدارسهم الابتدائية والإعدادية والثانوية، لن تجد شكل الدولة والجمهورية والأعلام المرفرفة مع الأناشيد المحلقة بهتافاتها الوطنية؛ فصباحات المدارس في مناطق سيطرة الحوثيين صارت مختلفة، كأنها زمن آخر من التخلف والظلام، الأصوات القادمة من طوابير الطلاب الصباحية لا تتجاوز الهتافات الطائفية والشخصيات التاريخية المرتبطة بالصراعات الدينية، مدارس صنعاء وبقية مناطقها راضخة لهتافات الحسين وموت الحسين والبكاء على الحسين، الطلاب والمدارس مرغمون على هذا النوع من الإذاعات الصباحية في طوابيرهم، وما هي إلاّ أيام تلو أيام، حتى يذهب مفعول الحسين وبكاء الحسين، ليرغموا المدارس مجددًا بعدها على ذكرى الإمام زيد، وهكذا لبضعة أيام، حتى يأتي موعد المولد النبوي، ليجعلوا الحياة عن بكرة أبيها خضراء، المدارس والصفوف والهتافات والحياة والسماء وكل مكان في هذه الأرجاء، فيما هم أبعد ما يكون عن النبي ورسالته، ثم يأتي موعد فاطمة الزهراء، ثم يأتي موعد الشهداء، ثم يأتي موعد البكاء على الصريع حسين الحوثي، ثم والده بدر الدين الحوثي، ثم يأتي موعد الصرخة وذكرى الصرخة، حتى ينتهي العام والطلاب لا يعرفون شيئًا عن هتافات الوطن والعلم والتحيات الصادقات للجمهورية اليمنية!
المدارس الحكومية صارت بلا طلاب وبلا تعليم، والمدارس الأهلية صارت متزاحمة في كل مكان، بأسعار باهظة جدًا، تتجاوز مئات الآلاف من الريالات للطالب الأول الابتدائي، ومطابع الكتاب المدرسي مخصصة فقط للمدارس الأهلية، التي تشتري الكتاب المطبوع في مطابع الدولة، بمبالغ كبيرة ثم تبيعه للطلاب المرغمين على الشراء، لتذهب مئات الملايين للمسيطر المتحكم بالجغرافيا والوطن، يبيعون الكتاب المدرسي بالمال، ويحرمون طلاب المدارس الحكومية منه، لا يستحقونه أساسًا، لأن بقايا أبناء الشعب في المدارس الحكومية مخصصون للتجنيد والموت، هذه حقائق يشاهدها الجميع كل يوم، لتظهر في واقع الناس مكاتب تعليمية تجمع من وجودها الملايين من الإتاوات المفروضة على المدارس الخاصة، ومن أسعار الكتب، ومن الإيجارات.. والمكاتب التي لا تجلب المال للحوثيين تتعرض للمساءلة والتغيير.
قبل سنوات، فرضوا على طلاب وطالبات المدارس الحكومية رسوم تسجيل تتجاوز السبعة آلاف ريال، قالوا في البداية هي مجرد مشاركة مجتمعية، لكنها صارت اليوم رسومًا مفروضة ورسمية، وعن رواتب المعلمين قالوا سيوفرونها من رسوم الطلاب، ومن تحويل أسوار المدارس الحكومية إلى دكاكين للإيجار، وبالفعل جمعوا الأموال وأجّروا وقبضوا منها مئات الملايين، لكنهم لم يعطوا معلمًا واحدًا حقه، يكذبون كما يتنفسون، هذه حقيقة، كل غايتهم جمع الأموال وفرض الإتاوات والضرائب وإقامة البكائيات والذكريات وطبع الكتب المدرسة للبيع، لا شيء آخر، لم يعد للتعليم أي إمكانية، ولم يعد، كما يقال، جهة خدمية، لقد صيروه جهة إيرادية، وأماكن تحريضية وتطييفية، دون أدنى رادع أو تفكير.
غيروا أسماء المدارس الوطنية بأسماء طائفية، حاربوا تحية العلم وجعلوا الصرخة الخمينية ختامًا لكل شيء، جعلوا الإذاعات والأنشطة والفعاليات مجيرة ودينية وطائفية وتحريضية، غيروا المناهج وحولوها لكتب صفراء قبيحة، فخخوا الهوية وعمموا الطائفية ومنعوا الجميع من الرفض أو المحاولة، لقد جعلوا الحياة سوداء، والتعليم بيئة طاردة ومخيفة، جدران المدارس ملونة بشعارات الموت، وصور الصرعى وعبارات التحريض تغشى الأماكن كلها، الفصول الدراسية في مدارس الدولة بلا كراسٍ أو ماسات، والساحات خالية من ألوانها البيضاء والحمراء والسوداء، والمعلمون بلا رواتب، والطلاب بلا معلمين، والتعليم بلا تعليم، والمناهج بلا علم أو فائدة، والمدارس بلا تحية للعلم، والعلم ممزق في أعلى مكان مرتفع. علَمٌ لا يرفرف ولا يهتف ولا يتذكر شيئًا من ذلك الوطن، وطلاب تعساء ومساكين ومرغمون على الذهاب إلى مدارسهم البائسة.