( رأي) معركة الحوثي ضد التعليم
تتكئ الحوثية على الأمية والجهل لمشروع سياسي ديني لا ينمو ولا يستقيم عوده إلا باكتساح عدوه اللدود (التعليم: المدرسي/ الجامعي) بشتى الطرق والوسائل الممكنة؛ كي تُفسح الطريق لتفشي الإمامة بنسختها الحوثية فكراً وسلوكاً وأسلوباً للحياة، حيث حققت الأخيرة أرقاماً قياسية في الهدم والتجريف لمؤسسات التعليم وتضييق الخناق على وجودها، وانتشال فكرة التعليم وتجميد دوافعه في الوعي الجمعي للمجتمع، فتسنى لها ترويضه بطريقتها الخاصة وأسلوبها الطائفي البحت.
لستُ معنياً هنا بسرد الأفعال التي استطاع الحوثي عبرها إيجاد مجتمع أُمي بهذه السرعة وإنما سأتحسس بعض ملامح الأمية المجتمعية التي خلُصت إليها سياسة الحوثي التجهيلية إزاء التعليم، فحسب أستاذ جامعي في جامعة ذمار، بعد شهر ونيف من فتح باب القبول والتسجيل بالجامعة، بلغ عدد المتقدمين للتسجيل من الجنسين في كلية التربية بأقسامها العشرة (17) متقدماً، وفي كلية الآداب بأقسامها الثمانية (9)، وفي كلية العلوم التطبيقية بأقسامها الستة (2 اثنان)، وفي كلية الزراعة بقسميها الزراعي والبيطري (17).. مقارناً ذلك بإحصائية سابقة تفيد بأنه كان عدد طلاب المستوى الرابع فقط، قسم اللغة العربية، في العام الدراسي (2002م)، في كلية التربية- الدفعة التي تخرّج فيها- كان (500 طالب وطالبة)... إحصائية مرعبة في مرارتها وإشارتها القاسية للحاضر الذي حققته المليشيات الحوثية وجعلته ملموساً يتجرعه مجتمع مقهور مستلب صنعته في مختبر الجهل والأمية وهيأته لارتشاف خرافاتها وأوهامها ونهجها الطائفي بيسر واقتضاب، لقنته على التماهي مع معتقداتها والتباهي باتباعه لمسيرتها والتضحية معها بنفسه ومصيره دون تأسٍّ أو تردد.
وليست جامعة ذمار وحدها من فازت بهذه المرتبة، رغم أن ذمار تمثل المخزون البشري للمقاتلين الحوثيين وفيها أكثر المقابر الحوثية للقتلى؛ فقبل أيام تم استنكار تحديد جامعة صنعاء معدل القبول في بعض الكليات كالآداب والتربية والعلوم بين 50 /55 %، وهذا يؤكد حالة العزوف التام عن الجامعة، كون المليشيا تقتاد الطلاب إلى الجبهات والأكاديميين إلى صعدة لإحياء طقوسها الدينية، كما حدث مع دكاترة جامعة صنعاء في يوم الغدير.
لن تترك المليشيا الحوثية ثقباً ينبثق منه نور العلم إلا وأسدلت عليه ستاراً من جهلها وتمادياً من نفوذها، فقد أصدرت مرسوماً جديداً إجبارياً يتعلق بالمدارس الأهلية في صنعاء يقضي بفرض مشرف ثقافي حوثي في كل مدرسة لمتابعة النشاطات الثقافية وإحياء المناسبات والتحكم بالإذاعات المدرسية واختيار المدرسين، بدوام يومي وراتب يتوجب على المدرسة دفعه، وهذا الإجراء يدق آخر مسمار في نعش التعليم في مناطق نفوذها، حيث لا مفر ولا نجاة من نهج التطييف والتشييع، ولا مأمن من تلغيم عقول النشء ما دام الفيروس امتد إلى المدارس الخاصة.
والحقيقة التي يستهين بها الكثيرون تتمثل في الخشية الحوثية من التعليم والتأهب الدائم لتقليص مخاطره على مشروعها، وإفشال وجوده بمخططات مرحلية متكاملة ضماناً لبقائها ونجاح أحلامها الإمامية في السلطة، فهي تدرك أن نواة التعليم الأولى نجم عنها وبها نظام جمهوري طوى صفحة الطغيان والكهنوت قبيل خمسة عقود ولا ترغب أن تقع في ذلك الفخ الذي أوقع أسلافها الإماميين، وهي الآن تجر المجتمع للعودة إلى زاوية الجهل والأمية الذي كان عليه اليمنيون، وقد ظفرت بمرادها، فالتعليم كسلاح صد ومقاومة تم تجريد المجتمع منه وبات أعزل جاهلاً مستسلماً، مستلب الوعي ومسنتزع الإرادة.
ولذا؛ فالقول إن شعلة التعليم تنطفئ بعد إيقادها خمسة عقود ليس تهويلاً أو تدليساً؛ وإنما حقيقة ماثلة يُفصح عنها الواقع الحوثي والجمهورية المتلاشية التي خنقتها الإمامة المتجلية والمكتسحة لمآثرها، والرابطة بين التعليم والجوع وبين الجهل والبقاء، فطريق التعليم محفوف بالهلاك والعوز، بينما يمارس الجهل نشوة الانتصار وجذب المنطويين إلى صفوفه وإيهامهم أن التخلص من قلق الفاقة ليس له منفذ إلا بالجهاد والبقاء مع سلالة الجهل والضلال.