في الوقت الذي فضّل الكثير من النخبة التواري عن الأنظار، فيما دفن البعض رأسه في الرمال، وآخرون اختاروا المواجهة عن بُعد؛ كان الأستاذ فيصل الصوفي رجلاً حقيقياً وشجاعاً، اختار البقاء في وطنه لمواجهة قوى التطرف والإرهاب، التي تتنكر بزي الدين، والاستمرار في النضال بعد ثورة ديسمبر العظيمة التي حولت خريطة المعركة الوطنية. 

وعلى الرغم من كِبر سنة، اختار فيصل الصوفي الاتجاه إلى الساحل الغربي؛ ليواصل النضال مع الرجال الذين افترشوا الرمال الحارة بكل عزة وشموخ، لمواجهة أبشع جماعة كهنوتية عرفها التاريخ (مليشيا الحوثي الإرهابية)، فكان ملهماً وقدوة وطاقة لكل فرد في المقاومة الوطنية.

كان هذا المفكّر الممتلئ بالوعي والإدراك والانتماء الوطني، واضحاً وصريحاً في قوله وفعله، لا يحب التلون بالألوان الرمادية؛ ليعلّم الآخرين قيمة الوطن وحبه وأهمية النضال من أجله حتى اللحظة الأخيرة في الحياة، وعدم التخاذل في الدفاع عنه.

لقد حظيت بشرف النضال معه، كنا نجلس كثيراً بعد انتهاء عمله ونتحدث عن كل شيء، خاصة عن خطر الجماعات المتطرفة المتلبسة بالدين، حدثني كثيراً عن الحلول الممكنة لما يجري في البلد، بدءاً بالتصدي لمليشيات الحوثي الإرهابية والقضاء على مشروعها الخبيث، ثم استعادة صندوق الانتخابات والديمقراطية، لكي يصبح الوطن للجميع تحت سيادة القانون.

اتسم الصوفي بودٍّ يتسع للجميع، فقد كان يتفقد كل المنازل المجاورة كل يوم ليقدم لها الطعام، وكم الذين سيفتقدون غيابه!.. وكان يملك روحًا من الدعابة تجعلك تستمتع بالجلوس معه لفترة طويلة دون أن تشعر بمرور الوقت، كان يمازحني قائلاً: "يا طويل، ماذا يقولون فوق؟"، بضحكات وكركرات تشبه وده؛ ولا أخفيكم أن هذا الشخص الودود كان صارماً وشديداً في طقوسه عندما يبدأ العمل.

لا يوجد شيء يعوض غيابه، وسنفتقده كثيراً، ولكن هذه هي حقيقة الحياة التي تعلمنا في كل يوم أننا سنرحل، وعلينا أن نتحمّل مسؤولية العيش لنترك بصمة تلهم من يأتي بعدنا.

رحل أستاذنا الصوفي وترك وراءه إرثاً كبيراً من الكتابات التي يجب أن تصبح منارة في معركتنا الوطنية، خاصة معركة الوعي، التي تقع على عاتق كل شخص في هذا الوطن. 

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية