عبدالسلام القيسي يكتب ل"2 ديسمبر " عن وداع فارس الكلمة المناضل فيصل الصوفي
ودعنا الهامة والقامة فيصل الصوفي، إلى مثواه الأخير بخطى عسكرية ثابتة تعني الامتنان والتثمين لجهوده، فهو من المؤسسين للمقاومة الوطنية، كلمته بداية الثبات للرجال في المقاومة، وقد كان المحاضر الأول ومغذي عقول الرجال بالقضية.
والآن، نحن في العزاء، قادة وجند وطلاب لديه، نستمع لمتحدث يتحدث عن دوره في تأسيس المقاومة، ففيصل هو الكلمة الفاصلة للمبدأ، ويستحق أن ننعيه وإلى الأبد، وسأنعيه كل مرة وإلى الأبد.
السلام عليك يا فيصل الصوفي، أيها المعلم الأول، والملهم الأكبر، والكلمة العميقة في زمن القشور،
السلام عليك ولك الجنة يا فيصل، يا أب الشجعان، وسمو التضحية، وشيخ القضية والمناضل الأكبر الذي ربى الرجال على كيفية الخروج لأجل هدف نبيل وكبير.
تجاوز فيصل الستين من عمره، عجزه لم يمنعه عن الرحيل مع الرجال بعد ديسمبر إلى عدن، حينها بلغ الستين، ومن بعمره فضّل البقاء في بيته محايداً فعمره لم يعد يسمح له بالتشرد، والبحث عن مأوى، وهذه مهمة الشباب، لولا أن فيصل كان أقوى من الشباب وأعتى، وهمته تتجاوز همة جيل كامل، فحمل شنطته وقلبه وسافر متخفياً إلى عدن، وعندما وصل معسكر بئر أحمد، حيث بدأ الطارق يستقبل الرجال، شاهده القائد يحمل حقيبته داخلاً إلى المعسكر، وكتقدير وامتنان وتثمين من القائد لهذا الدخول الشامخ من صحفي عمره أكبر منه، أقبل إليه قبل الشباب هرع وأخذ من يده الحقيبة، وحملها هو، القائد بذاته يحمل حقيبة الصحافي والكلمة الوفية، الوفاء لرجل قضى عمره مكافحاً لأجل وطن ومبدأ وقضية.
ولد فيصل الصوفي قبل الجمهورية، عاش تأسيس الدولة الوطنية، وشارك بعلم وقلم في إرساء النظام، كان مدرساً في الأعبوس، خلفيته إسلامية كمعلم تربية إسلامية في الريف التعزي، وفي مدينة تعز، وصنعاء، وخرج من بين يديه جهابذة وعلماء وكوادر، وصارت كلمته العليا باقتحامه المجال الصحفي، وأستاذاً للصحافة والإعلام وعلى الشاهد التذكر وصورة فيصل الصوفي توشي واجهات الصحف، فيندر، بكل ثقة، أن يُشبع أي صحفي موضوعاً كتب فيه مثل الصوفي، فهو عالم كبير، قبل أن يكون صحفياً وهو ينجح في اختصار كل العالم بمقال يتمازج فيه المنطق والهزء، القضية والحل، كتب وأشبع العقلية اليمنية وناقش المواضيع الكبيرة، فلسفة التدين، والوطنيات، وفلسفات الثورات والجماعات الدينية، فهو ليس كاتب أحداث، إذ هناك فرق بين كاتب حدث وكاتب الخفي في الحدث، جميعهم يكتبون وفق الجلي، وفيصل الصوفي يكتب وفق الخفي، والكل كتابتهم عن الظاهر وفيصل ككاتب يستلهم معاني الظاهر المتخفية وراء الأحداث، فهو يكتب كشيخ علم بقالب صحفي وبالقالب الصحفي يكتب كفيلسوف، كما يكتب كصحفي فلسفة كل شيء.
لا يملك الصوفي حساباً على فيسبوك أو تويتر، لديه لابتوبه الخاص، للكتابة، يكتب فقط ويرسل عبر الواتساب بحوثه الكبيرة، إلى الصحف والمواقع المناهضة للكهنة، ولا يعترف فيصل الصوفي بهذه الطفرة التفاعلية التي حولت كل الناس إلى كتاب وعلماء وفلاسفة وصحفيين وهم يجهلون الإملاء، مثلي أنا، ولا يتقبل أي كتابة صحفية مكرورة، بلا تحليل، ودون زاوية جديدة، ففيصل لو كتب بالموضوع ذاته ألف مرة سيجد لكل مرة من الألف زاوية جديدة مدعومة بالمنطق والأدلة التاريخية، وتجد كلما تقرأ بحثاً من أبحاثه أنك أمام العالم كله، تكتفي بمبحث واحد، كما لو أنك قرأت كل شيء.
قبل عام، وجدت فيصل الصوفي الذي بلغ من العمر اثنتين وستين سنة، ركزوا، تجاوز الستين، وجدت أمامه كومات كبيرة من الملازم والكتب، طبعها من النت، فسألته ما هذا وهل ستقرأ كل هذا يا أستاذ فيصل، أجابني: قد قرأتها مرات ومرات.. هذه مناهج الكهنوت، قرأتها لأستنتج مبحثاً كبيراً عن خطورتها وعن الذهنية المشكّلة لعقليات الجيل الجديد، في الدورات الكهنوتية، والمدارس.
فعلاً.. حينها قرأت له سلسلة من أعظم السلاسل تناقش خطورة المناهج، مدعومة بالأدلة، التاريخية أولاً وأدلة ورقية للصفحة والرقم والنص الكهنوتي، وهو يمزقه كلمة كلمة، وقلت: هذا هو الصحفي.
الآن لو طلبت من أي صحفي كتابة مادة عن خطورة المناهج لن يستغرق ذلك منه ربع ساعة، سيملأ الفراغات بكلام مكرور ومعروف ومجرد رأي، لكن فيصل الصوفي عندما أراد الكتابة عن المناهج بحث وطبع كل مناهجهم، وقرأها حرفاً حرفاً قراءة فاحصة، واستنتج من ذلك، بالقراءة، الحكم النهائي عن خطورة مميتة لهذا الحشو المظلم.
الحديث عن الأستاذ طويل وكبير، سأكتب عنه بعمق، وأنقل صورته الكاملة لكم، عن قلم مختلف وفارق، وعن دراساته الكثيرة بالساحل الغربي، هو ملهم القضية في الساحل، هو المفكر الكبير والجهبذ.