صلاح الأصبحي يكتب لـ " 2 ديسمبر": ما بعد إطلاق النار على مهرجان تعز؟
ما حدث في ملعب الشهداء ومهرجانه العيدي بتعز أمر مؤسف وجبان، واغتيال حقيقي للروح اليمنية التي تحاول التملص من أوجاعها وكسب راحتها، وهناك من يجبرها على الانكماش والبقاء في مربع الموت، واستنكاره وإدانته يمثل شعوراً جمعياً واستهجاناً شعبياً وسياسياً سواء في تعز أو في عموم اليمن، لكن التفاصيل الكاملة المصاحبة للحادث ما زالت غائبة والملابسات متناقضة، والصورة معتمة إلى حد ما.
ومما لابد منه الإعلان رسميا عن الجهة المتورطة بهذه الجريمة الشنعاء وأن تنال أقصى العقاب والجزاء؛ لأنها كانت سبباً في إثارة الأحقاد وإشعال نار الكراهية والتراشقات السياسية التي يمكنها أن تجر تعز إلى ما لا تحمد عقباه.
والأخطر من الجريمة، تلك التفسيرات والتحليلات التي تبث سمومها وتدق طبول الخلاف والصراع بين العميد/ طارق صالح، ممول المهرجان العيدي المخصص لتكريم الفنان عطروش، وبين السلطة القائمة في تعز الممثلة بحزب التجمع اليمني للإصلاح، بعدما صفت العلاقة بينهما وأخذت طابعاً مشتركاً موحداً في الغاية والرؤيا والتعاون السياسي والعسكري والإنساني، وبدأت تتلاشى الضغينة المترسبة وهناك من يريد إيقاظها، بزعم أن إطلاق النار نجم عن رفع بعض الجماهير لصور طارق صالح! اليس طارق بصفته عضو مجلس القيادة الرئاسي ممثلا للشرعية ألم يزر تعز، ويلتقى بقادتها من مختلف المكونات ويفتتح مشاريع في المدينة، محاطاً بحفاوة والتفاف شعبي ينافي إحالة الجريمة إلى هذا المسار وبناء التهم وخلط الأوراق، للعودة إلى دوائر الانغلاق والتمزق التي غرقت اليمن بسببها؟!
ومن جانب آخر، فإن الأصوات المتطرفة دينياً اتسعت دائرة تماديها في الإفتاء في شؤون تعز، وحشر ذاتها في مقارعتها لأشكال الحياة والفرح والمهرجانات وتزعمها موجة من التشدد المخيف ومهاجمة الجميع بدعوى حراسة القيم الدينية بصورة مخيفة ومتوحشة تثير التوجس من طغيان نهجها واتساع سلطتها للدرجة التي يمكن أن تتهور في القضاء على ما يخالف عقيدتها بأسلوبها الخاص، وهذا ما نخشاه، وعليه نرجو إجراء تحقيقات عاجلة ودقيقة لكشف هوية قاتلي الفرحة في ميدان الشهداء، واتخاذ إجراءات صارمة تجاههم ومن يقف خلفهم واجتثاث منابعهم حتى لا تصبح تعز مستعبدة بالتطرف والإرهاب.
ولذا؛ فاللحظة الراهنة تحتم على تعز أن تكون قادرة على مواجهة التحديات، وأن تقوم مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية بمهامها على أكمل وجه دون تحيزات لحزب أو جماعة دينية أو طرف سياسي بعينه، وإن فعلت فإنها ستُغرق المدينة في هاوية متأرجحة بين نارين؛ واحدة تنبعث من الداخل وأخرى تلتهمها من الخارج، فتعز يجب أن تظل متسعة للجميع، متماسكة بحفاظها على أسس النظام والقانون وليس على أساس تحكمات المربعات النافذة فيها، ويجب الحفاظ على التوجه السياسي العام المتضمن الشراكة والتنسيق بين الفاعلين وتوحيد الصف الجمهوري للوقوف أمام التحديات الوجودية المهددة للكل، فالكسب للجمع ولن يظفر به المفرد أبداً، ومن العار أن يحدث هذا في تعز والعدو السلالي يحشد أتباعه ويجري مناورات عسكرية على أطراف المدينة، ملوحاً باقتحامها ومهدداً بحرقها، بينما نحن نتراشق ونتناحر حتى في أفراحنا وتجمهرنا العيدي. ما أشنع مآلات خبثنا ومكائدنا!