في كل مرة تجبر المليشيات الكثير من الشباب على حضور حشود استعراضية، سرعان ما تتوالى الفضائح حول طرق التحشيد الترهيبية وسوء التعامل مع المخدوعين بعد أن كومتهم دون أن تكلف نفسها إطعامهم أو توفير مستلزمات وجودهم، وما إن قضت نحبها منهم صرفتهم بإذلال مشين وقمع شديد. هكذا دأبت مليشيا الحوثي على اقتياد قطيعها ترغيباً أو ترهيباً للتباهي وملء الفراغ الذي يكتنف جبهاتها ومعاركها الدائرة على امتداد البلاد.
 
عشرة آلاف مجند في مسيرة راجلة من محافظة ذمار إلى إب وصولاً إلى تعز، وبالطبع فثمة علامات استفهام حول طبيعة العرض وماهيته؛ فالمجندون يبدو على ملامحهم  الإنهاك والإجبار والحماقة وهم يسيرون على أقدامهم كقطيع لا حول لهم ولا قوة إلا طاعة الأوامر وتنفيذ التوجيهات المبينة أن تعز هي محطتهم ومرمى نضالهم الموهوم لإثبات ولائهم لسيدهم وتحرير المدينة من "الدواعش"، حسب توصيف مسيرة الرجعية والضلال الحوثية، وعلى الطريق حرصت المليشيا أن تصنع لوحة استعراضية لقطيعها في الحرم الجامعي لجامعة إب الذي اجتزأت مساحة منه للتدريب والاستعراض بشكل دائم، في انتهاك سافر لقداسة المكان، الذي رأته مناسباً لهذه المهمة تأميناً وستراً لسيناريوهات لعبتها المفضلة ونهجها في البجاحة والتهويل، فهي تجيد صناعة مشاهد مسرحية بلهاء لقوة حقيقية تفتقدها وجيش وطني ينتمي لوطن حقيقي وليس لعقيدة سلالية إرهابية مبنية على الوهم والتدليس والحيل المركبة.
 
ولطالما كانت تعز هي المعنية بهذا الاستعراض الحوثي الباهت؛ فالأمر أكثر بلاهة لأن هذه المدينة المستأسدة أفشلت كل ذرائعه وأحبطت شتى خططه واختراقاته المستميتة مئات المرات، سواء في المدينة أو في المديريات المحررة التي كسرت عجرفته ولم يتمكن من التقدم شبراً واحداً أو يحقق أدنى مستوى من الكسب على أطراف المدينة البعيدة أو القريبة رغم فارق القوة والعتاد، وهذه عقدته المرة ونقطة ضعفه؛ لأنه يبدو خائباً منكسراً أمام صمود الأبطال وعزيمة الشجعان التي لا يجدها بين صفوفه، فقد سئم تلقف جثث مقاتليه وهم يتساقطون في جبهات تعز كلها من أول جولة لهم في الميدان، محترقين بنيران تلتهم حتى ظلالهم وتطاردها كشبح لا يقهر، ولذا أتظن المليشيات أن علوجها المتشحة بالبزات العسكرية الشبيهة بتماثيل مترهلة في متحف لتاريخ الحروب يمكنها ترهيب تعز أو التأثير على عزيمة جيشها الوطني ومقاومتها الوطنية، وبحسب العقيد عبدالباسط البحر، معلقاً بالقول إنها "استعراضات البلاهة المفرطة"، ناعتاً إياها بأن الهدف منها دعائي وإعلامي وليس عسكرياً وقتالياً، وأن الميدان من يتكفل بإثبات المهارات القتالية وليس الاستعراض التهريجي الملفق.
 
وليس بخافٍ على أحد المزامنة الترابطية بين الاستعراضات الحوثية وبين ضغوطات المجتمع الدولي والأمم المتحدة، فكلما دارت المباحثات والمقترحات التي تُطرح أمام المليشيا تكشر عن أنيابها مسرعة نحو هذه الخديعة التمويهية لتبدو بمظهر الأقوى والأقدر على البقاء في دائرة الحرب، ضامنة بذلك مزيداً من التنازلات والمكاسب المادية، وهكذا تستمر في لعبتها للتغرير على الداخل والخارج؛ لكن ليس للأبد، سيأتي يوم لن تجدي معه أشكال التحايل ولا أساليب المراوغة السلالية، وتتهاوى كل الخدع الديكورية بلا استثناء.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية