الدكتور صادق القاضي يكتب لـ " 2 ديسمبر ": عن الحوثي والوطن والوطنية!
الوطن ليس خارطة لإقطاعية عائلية معزولة عن الشعب، والوطنية ليست حالة حالمة بعيدة عن واقع الإنسان.
الوطن هو الجغرافيا والتاريخ والإنسان.. والعدالة والمساواة والشراكة والخبز والحب والدفء والحرية..
والوطنية هي شعور المواطن بالواجب تجاه منزل كبير، يجد فيه نفسه ومصلحته وسيادته وكرامته، وتكمن فيه ذكريات أجداده، ومستقبل أحفاده.
القضية شخصية للغاية، بالنسبة لأي مواطن، في أي مكان في العالم، الوطن هو ما يملكه هو، وليس ما يملكه أي طاغية مأفون، وصل إلى السلطة على غفلة من الزمن، وحوّل الوطن إلى سجن كبير.
وهذا ما فعلته أنت يا عبدالملك الحوثي.. انقلبت على دولة المواطنة، وجعلت من نفسك إلهًا، وعندما تدوّلت القضية، رفعت شعارات وطنية، وتريد من الشعب "الجهاد" في سبيلك بعد أن صادرت وطنهم!
لا تنتظر منهم أن يهبوا لنجدتك مما تسميه "عدوانًا أجنبيًا"، من أجل وطن بدأت أنت بالعدوان عليه وعليهم، وحولته إلى جحيم!
أنت تحتقر ذكاء الناس عندما تتوقع منهم تصديق أنك الوطن، أو أنك تدافع عن المصالح الوطنية العليا، وتدعوهم لنسيان مصالحهم العامة، والتضحية بأرواحهم من أجل مصلحتك الخاصة!
الأغبياء فقط قد يفعلون ذلك، هذه هي "الوطنية الغبية"، "وطنية العبيد" التي رفضها "عنترة بن شداد" وهو يراقب بامتعاض قبيلة "ذبيان" وهي تجتاح عقر قبيلته "عبس"، وتقتل وتسبي وتحرق كل شيء..
لم يكن عنترة ليقاتل من أجل امتيازات أسياده.. وفقط عندما أعلن أبوه "شداد العبسي" تحريره، انطلق كالمارد يذود عن حريته، وينتصر لقومه، ويسجل أعظم أساطير البطولة العربية.
هكذا كان هذا الشعب سيفعل في ظروف أخرى.. معك أو بدونك.. في وجه أي "ذبيان" حديثة، أو "عدوان" معاصر.
على أن المعادلة مختلفة جذريًا اليوم، كان "عنترة" حرًا، وقمت أنت باستعباده، وتريد منه في نفس الوقت أن يقاتل في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل.
لقد حرمته حتى من سبب واحد للقتال والتضحية والبطولة والفداء.. إلا في معركة مقدسة يخوضها ضدك.
وهو الآن يمارس هذا الواجب المقدس، أو- في الأغلب- صابر صامت يترقب فرصة لممارسة هذا الواجب المقدس.
باستثناء جماعتك الكهنوتية، وقليل من ضعاف النفوس.. الشعب كله ضدك، وضد جماعتك الكهنوتية، وضد عنصريتكما وكهنوتكما وانقلابكما على الإجماع الوطني، وعدوانكما على إرادة الشعب.
ليسوا خونة ولا عملاء ولا مرتزقة ولا منافقين.. كما تقول أبواقكم المبتذلة، لا يمكن تصور أن الشعب بأكمله خائن، في مقابل عصابة انقلابية وطنية!
ولن يصبحوا خونة ولا مرتزقة ولا منافقين.. مع أن كل سياساتكم وممارساتكم تدفعهم دفعًا للنفاق والارتزاق والخيانة.. وحتى كراهية الوطن، بالتمادي في مصادرته، واختزاله في شخص واحد، وجلدهم بالتهم والشعارات الوطنية!
الوطنية- كأي حالة مشروطة- حالة تنتفي بانتفاء شروطها.. يفسر هذا لماذا يوجد الخونة والعملاء والمرتزقة، كظاهرة، في بعض الدول، وبعض المراحل فقط، ولماذا لا يوجد عملاء وخونة ومرتزقة أجانب للأوطان المقهورة؟!
إنه الشعور بالغربة في الوطن.. قد يخلع الآدمي آدميته في الشروط غير الآدمية، ويصبح البشر وحوشًا إذا تمت معاملتهم كالطفيليات!
لكن؛ هذا لا يفسر كل شيء، في حالة الخيانة.. الخيانة، كالوطنية، صفة بالغة الالتباس في السياقات الطافحة بالقمع والمزايدات!
غير أنه يوضح خطورة عواقب التجاهل الأناني للرغبات العامة، من قِبل فئة كهنوتية عنصرية غارقة حتى العظم في شبهات وملابسات ووقائع الخيانة والعمالة والارتزاق!
في كل حال.. لا ينتظر الضحايا من الجلاد أن يحدد لهم من هم، ومن هو عدوهم، وما هي قضاياهم وأولوياتهم. وعليه ألا ينتظر منهم ترديد شعاراته، والرقص على إيقاع سياطه، أو أن يكونوا أوفياء لجماعة لم تكن وفية معهم.
وتظل المفارقة، أنكم لم تتعلموا شيئًا ذا بال من كل ما مر.. ما زلتم تنتهجون نفس النهج غير السوي.