أعجزت المدينة المتمردة (تعز) جماعةَ الحوثي ، وأنهكت تفكيرها بالمخاوف والخيالات المقلقة للدرجة التي أوصلت الجماعة إلى قناعة تامة بأن الحصار المطبق على المدينة ربما يبدو طوق النجاة والجدار العازل الذي يتيح لها خطف إجازة مقتضبة وتهدئة هلعها المضطرم، وما إن بدأت فكرة شق طريق الكدحة_ البيرين برعاية العميد طارق، حتى انقلبت الحسابات الحوثية رأساً على عقب وتهاوت استراحتها، لتدخل حالة من الاستنفار والتأهب والتدبير لردة فعل تساعدها على إعاقة هذا الانفراج الذي بدأ يخترق أسوار الحصار ويهدم بنيانه، وحين استعصى الأمر عليها لم تجد حرجاً في قصف المعدات والآليات الخاصة التي تعمل على شق الطريق بصورة مباشرة كحالة من الهوس الهستيري لاستمرار الحصار.
 
وبناءً على حيثيات استهداف المعدات: هل تعتقد المليشيا بأنها ستغلق الملف وتجبر القائمين على المشروع بالتراجع والتخلي عن الفكرة إلى ما لا نهاية، إن توهمت ذلك فهي بالفعل مثقلة بالغباء والضعف، ولا تمك أدنى مستوى من الشجاعة والتحلي بمبدأ الخصومة، ولا تجيد غير الخسة والإجرام والدموية الموغلة في التوحش واللا إنسانية والتلذذ بتعذيب الآخر بسادية ونقص يكشف مدى هشاشتها وتخفيها وراء استراتيجيات التدمير واستهداف الأبرياء وتعكير حياتهم بطرق مباشرة وغير مباشرة، وهذا ديدنها ومنطقها المسيِّر لتعاملها مع خصومها.
 
لكن؛ ألا يخطر في خلد الحوثية أن تتساءل مع ذاتها: هل أفلح الحصار لمدينة متمردة كتعز، وحقق لها مكاسب مرئية، كرضوخ المدينة أو تهاوي حصونها المتينة وقد بذلت، خلال ثماني سنوات، ما لا يحصى من المحاولات والخطط للتقدم حتى شبر واحد في تعز رغم الفارق الشاسع بين عتاد المقاومين وقوة الطغيان الحوثية التي تجر أذيال الهزيمة والانكسار لتفرغ طاقتها الغاضبة بالقصف العشوائي بالقذائف والصواريخ وقتل العزّل، أما في ساحة المعركة فهي على الداوم متأزمة ومحطمة ولا تحصد إلا سقوط مقاتليها وجثثهم المتكدسة قبل أن يبرحوا أماكن تمترسهم ونقاط تمركزهم؟!
 
ويدرك المتأمل العميق للطبيعة الجيوسياسية أن مليشيا الحوثي تحاول تحصين نفسها بحصار تعز، باعتبار الأخيرة بوابة الجنوب ورافعة  النضال الوطني  ومناهضة مشروعها السلالي، ومن غير الممكن قطعاً أن تبقى السيطرة الحوثية على المناطق الواقعة في قبضتها مستتبة لو أن الشريان الرابط بين الشمال والجنوب مفتوحاً، إضافة إلى أن هذا الحيز الجغرافي عصي على التحكم ويصعب كبح جماحه، وستتسع دائرة التمرد وستتمدد طبيعة التحرير لا محالة كإشعاع وسيضيق الخناق على الحوثي دون أدنى شك، ولذا سبق خوف الحوثي شكوكه، وأطبق حصاراً خانقاً على المدينة، وأدام التهرب والمخاتلة في كل جولات التفاوض المعنية بفتح المنافذ في تعز، لإدراكه أن هذا الفعل يحمل شفرة بقائه هذه المدة، ويستبعد أي نوايا جادة بهذا الخصوص باعتبار تعز الوحش القابع في قفص وحين يطلق سراحه ستفشل كل الأساليب في السيطرة على حركته، هكذا تبدو المسألة في المنظور الحوثي.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية