بعقلية عصابات المافيا ومنظمات الإجرام العالمية، استوحت العصابة الحوثية بعض فلسفات الاستعباد والاستحواذ والتحكم برقاب المجتمع ومصير أبنائه، عبر اتكائها على ثنائية قاتلة للفوز بالسيطرة وإمساك الناس من الكتف الموجع، متخذة من الألم والخوف منهجية متبعة وثنائية حتمية، بهما وعبرهما تراهن على  استنفاد طاقات الرفض الشعبية وإفراغ شحنات التصدي والمقاومة في مناطق سيطرتها، حتى لكأن البعض يستشعر أن موتاً جماعياً تفشى، واستسلاماً كلياً تكدس، ورضوخاً فعلياً ارتسمت ملامحه هناك، حيث العصابة تستفحل في إجرامها وتتبختر في انتهاكها حد الفحش، وتقهر الجميع حد الفسق والفجور.
 
ألم الجوع والنهب والاستلاب والإتاوات والجبايات وتضييق مصادر الدخل، والاستحواذ على أموال الآخر بدون مبرر، يقابل كل هذا خوف البطش والتنكيل والتصفية الجسدية والاختطاف والاعتقال وإسكات الصوت المناوئ وإخماد المشاعر المتخمة بالتذمر والازدراء من نهج هذه العصابة التي جعلت الإنسان في مناطق نفوذها يتنفس الألم مع كل زفرة هواء، والخوف يظلل كل كلمة يتفوه بها، منهكاً مادياً ومنكسراً معنوياً، خائر القوى ومستنفد الصد والوقوف في طريق تلافي الضربات الموجعة التي يتلقاها ليل نهار، كأنها كل يوم تبتر جزءاً من جسده المترهل وعقله المرتجف جراء معاناته المتدفقة وحزنه الوافر الذي تغمره الجماعة به دونما تريث أو إشفاق أو خشية صحوة ضمير أو اعتبار لأخلاق أو إنسانية.
 
تتقن الحوثية، كعصابة منظمة، الجريمة المنظمة أو العشوائية وتستخدمها حسب الدوافع وتوقُّع ردود الأفعال، حيث لا تخفق في التبرير أو اختلاق صور مبتكرة لتجاوز أي محنة أخلاقية أو إنسانية تقع فيها للسيطرة عبر ثنائية الألم والخوف، ونحن نعترف لها أنها حصدت نسباً عالية بتفوق في امتصاص أمعاء اليمنيين وشل حركة تفكيرهم وزرع أكبر قدر من الألم والخوف في حياتهم وجعلهم هياكل عظمية وأشباه أحياء يتساقطون كورق التوت من الجوع والفقر والرهبة، يزحفون في أيامهم ولياليهم على بطونهم بعد أن فقدوا القدرة على الوقوف والبقاء بشموخ وكرامة بعد أن مرغت أنوفهم في التراب بالإذلال والقمع طيلة سنوات، أكلت أخضرهم واليابس وتناثرت أحشاؤهم بين يدي أزلام الحوثية ومشرفيها والتابعين لها من قريب أو بعيد.
 
 ومهما أنهكتَ نفسك في البحث عن بنية الحوثية ومنظومتها الاستراتيجية المتبعة التي تدير بها مشروعها السلالي، فلن تجد أعمق من هذه الثنائية ولا أكثر ارتكازاً من شموليتها، حيث يمكن إسقاط كافة جرائم المليشيا الحوثية وأساليبها المريعة في الانتهاك والتنكيل بحق اليمنيين على هذه الثنائية، وإرجاع دوافع السلالة المتهورة لبلوغ هاتين النقطتين، ويقينها أن إيصال المجتمع الخاضع لجبروتها إلى مستوى معين من الألم والخوف سيضمن لها البقاء والمكوث زمناً أطول كمتحكم أوحد وسلطة أمر واقع بعيداً عن ارتجالية الحلول السياسية ومبادرات السلام المفترضة التي يتم طرحها هنا وهناك، فهي تتخذ من مكاسب هذه الثنائية رأسمالاً تساوم به الداخل والخارج، وتدعي- بإسفاف وبجاحة- أساها لتلك المعاناة التي يقاسيها الشعب إزاء  ما تسميه العدوان/ الحصار /الحرب/ إغلاق المنافذ/ توقف المرتبات، علماً بأنها لن تفرط قيد أنملة بخروج الجماهير من مستنقع الألم والخوف وتخفيف أوجاعهم الذي سيزيحهم من رقعة الثنائية، ولذا كلما جاء الحديث عن دفع الرواتب تكشر عن أنيابها وتأبى أي تسليم لا يأتي عن طريقها لخشيتها الدفينة من فقدان القدرة على السيطرة واستعادة الغالبية من الشعب لأنفاسهم لو أتيح لهم الحصول على مرتباتهم أو تلقي إعانات أو تسهيلات تزيح عنهم الألم المادي والخوف المعنوي اللذين تستميت الجماعة من أجلهما وتبذل كل ما في جعبتها من حيل وزيف وخداع ومكر وقبح لكي يبقى الكل مخنوقاً بين جدران نفقها المرصع بهما.
 
ومن هنا؛ فإن من الأساسيات الجوهرية لمقاومة وتفكيك مشروع هذه العصابة هو فهم بنيتها العميقة وفلسفتها الشيطانية التي أحكمت عبرها قبضتها الحديدية على المجتمع، ومن ثم ينبغي التفكير ببناء خطط وطرق وأساليب ردع يمكن من خلالها اختراق الجدران التي شيدتها العصابة الحوثية، وتقويض أعمدتها؛ فحين نثبت ارتكابها أشنع الجرائم ونعري تنفيذها أفظع الانتهاكات، فذلك لا يؤثر فيها وهي تدرك تماماً أنها حقاً كما يصفها المحللون والسياسيون والحقوقيون ولا ضير عندها في ذلك، لكن ما يوجعها بالفعل طريقة التفكير الجدية التي تسعى إلى إخراج الناس من بوتقة الألم والخوف وتحريرهم من عبوديتهم لهما، فهم مستعبدون بالألم والخوف ولن يتحطم البرج السلالي إلا بهدم سلاحيه الفتاكين اللذين تقتود بهما الناس وتنتزع من بينهم المقاتلين والأتباع، وهكذا دواليك، كمخزون استراتيجي تشحذ طاقاتها وتعزز جبهاتها دون أن تمنح أولئك الغلابى برهة للاستفاقة من غيبوبة الاستعباد، والتمرد من وحشية الإذلال.
 
ولإثبات صحة ما حوته السطور الآنفة يمكنني استحضار الحالة الوحيدة التي تمردت على هذه الثنائية وخلقت رعباً حقيقياً وفزعاً مروعاً في أوساط الجماعة وهزت كيانها، والتي جسدها الشهيد البطل "حمدي المكحل" في مدينة إب، وما صاحب جنازته من التفاف شعبي كثيف وشعارات جريئة حد الصدمة بالنسبة للحوثي لم يعهدها منذ سيطرته على البلاد معلناً إبانها حالة من الاستنفار والتطويق للمدينة بقوة مهوولة استجلبها لإخماد فتيل الغضب والجرأة والتمرد المخيب لآماله والهادم لنظريته في السيطرة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية