قبيل عيد الفطر ب 48 ساعة فقط، توفي ما يقارب تسعون شخصًا في صنعاء؛ رجال كبار، شباب، موظفون، تربويون وعسكريون، ماتوا وهم يحاولون الحصول على القليل من الفتات والصدقات، نتيجة الحاجة والفقر والوضع المعيشي المنعدم في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي، التي صنعت باليمنيين ما لا يمكن تصوره؛ تجويع وتفقير وتخويف وإذلال، حتى أصبح الناس في مناطقها مجرد أجساد متهالكة وعقول متمايلة للجنون. 
 
كان الآلاف يتجمعون عند بوابة مدرسة معين، بانتظار بدء دفع الصدقات، انتظروا لساعات وتزايدت الأعداد، في ظل لجنة تنظيمية تتبع رجل الأعمال حسن الكبوس، إلى أن فوجئوا بوصول طقم مسلح يتبع الحوثيين، وصلوا وطردوا المنظمين وحلوا مكانهم، وهكذا مر القليل من الوقت، حتى بدأ الازدحام يشتد، ليتخلى المنظمون المسلحون عن أماكنهم تاركين الحشود تتدافع فوق بعضها، تركوا أماكنهم وحدث تدافع شديد بين الآلاف من الناس، حتى كسرت بوابة المدرسة وسقط المئات فوق بعضهم، تلى هذا إطلاق رصاص غير معروف الاتجاه، وبسببه ذعر المتدافعون أكثر وتدافعوا بكل قوتهم، ليسقط منهم عشرات القتلى ومئات الضحايا، ويموت حتى الآن ما يقارب تسعين يمنيًا، فيما المئات منهم في العناية المركزة والمستوصفات. 
 
هذه الحادثة المأساوية نتيجة الجوع والفقر والحاجة للصدقات، بعد سنوات من معاناتهم وانقطاع رواتبهم وتعطلهم عن العمل والحياة، في ظل جماعة لا تقدم شيئًا سوى استمرار نهبها للتجار والمؤسسات التجارية تحت مبرر الزكوات والضرائب.. وعليه؛ فجماعة الحوثيين تجمع سنويًا أكثر من تسعمائة مليار تحت مسمى الزكاة، وأكثر من هذا الرقم بكثير تحت مسمى الضرائب، لتنفق في النهاية على فاسديها ورجالها وأفكارها المتطرفة، وفيما يبررون ويتهمون الآخرين زيفًا، يستمتعون بمعاناة المواطنين وانقطاع سبل حياتهم نتيجة الممارسات المتعمدة والممنهجة. 
 
وهذه حقيقة واضحة، جماعة الحوثيين تستمتع بمعاناة اليمنيين، تنتقم منهم، تجرعهم وتنهبهم وتخوفهم وتتحدى من يواجهها، تقطع عنهم الموارد والخدمات وترغمهم على الجوع في بيوتهم ومساكنهم، تمارس بحقهم أساليب الانتقام، لكنهم لا يدركون شيئًا من عاقبة الويل اليمني في حضرة القيامة القادمة من سخط الشعب وقهر المقاومين. في المقابل خرج الحوثيون يتهمون ما يسمونه العدوان بالوقوف خلف مأساة التجويع، ليضحك الناس عليهم ويسخرون منهم، لأنهم يعلمون حقيقة المبررات الواهية والشماعات المحروقة. وأيضًا خرجوا يتقولون بأن اليمنيين تحت سلطتهم لا يموتون جوعًا، ليرد عليهم ناشطو التواصل بالسخرية والدلائل الواقعية، يقول أحدهم: نهار اليوم مع أحد الأصدقاء، أوقفنا سيارتنا في ميدان السبعين بصنعاء، وجلسنا فيها لنتحدث ببعض المواضيع، وخلال أقل من ساعة فقط جاء إلينا أكثر من ثلاثين امرأة يطلبن المساعدة ويشرحن أوضاعهن المادية الصعبة، فتيات بعمر الزهور، عجائز كبيرات، أمهات ونساء مع أطفال صغار، بائعات متجولات، وغيرهن، بحالة من الإرهاق والتعب والفقر الشديد، يمنيات أصيلات خرجن من بيوتهن للبحث عن الصدقات بعد أن عجز رجالهن. لم تكن تمر لحظات حتى تغادر إحداهن وتأتي أخرى، بعضهن يحملن في أيديهن بعض المستلزمات لعرضها للبيع، يبررن وقوفهن المتكرر في الشوارع الرئيسية، وأخريات يحملن أوراق العلاجات، وفتيات بعمر العشرين يطلبن الصدقة بنوع من الخجل والحياء وعدم التعود، في منظر يدمي القلب. 
 
يضيف آخر: اهتمامات الناس وأحاديثهم ونقاشاتهم في صنعاء، لا تكاد تتجاوز الحصول على كيس دقيق ودبة غاز ومتصدق يأتي من هذا الطريق أو ذلك الاتجاه، تحول الناس إلى متسولين تحت سلطة الحوثيين، رضخوا لممارسة الشحاتة وتقبلوا الصدقات كأمر واقع، لا تتعجبوا، هذا الأمر في كل هذه المناطق لا غير، مناطق الفاسدين والموبوئين بنهب الناس ومنع الخير وإعدام الحياة والخدمات.. في الماضي كان الناس يفكرون في السياسة وتجاذباتها ويتناقشون حول المرشحين والانتخابات ويتنافسون على تعليم أبنائهم وتثقيفهم، أما اليوم فقد صار الشعب جائعًا ومقهورًا ومقتولًا. 
 
ومن ناحية متصلة، العلاقة بين الكبوس والحوثيين تشهد توترًا كبيرًا، على إثر محاولاتهم المتكررة لإرغامه على تسليم أمواله وصدقاته إليهم، لكنه يرفض هذا منذ سنوات لأنهم لا ينفقونها في أماكنها المتفق عليها، ولا تصل للفقراء اليمنيين؛ لكنهم على ما يبدو وجدوا فرصة للنيل منه، وهذا بكل تأكيد سيفضي لمغادرته؛ سيغادر البلد وسيترك الخير برمته، ومثله مئات التجار والمؤسسات، سيغادرون وسيتروكون اليمنيين في جوعهم محاصرين بجماعة الموت والتجويع. 
 
أخيرًا، عيد اليمنيين في حقيقته كان حدادًا، ودمًا، وحزنًا وحكايات مأساوية عن أشخاص مسحوقين ومغدورين، من جميع الفئات، رجال، وموظفين، وشباب يافعين، والكثير من الملامح البائسة في واقع اليمنيين، عيد برائحة الدم والقهر والأوجاع، ومعه سينفجر اليمنيون حتمًا، ينتظرون فقط شرارة الصفر لتقوم القيامة المنتظرة من نفوسهم، وستحدث بكل تأكيد، خصوصًا مع القهر العاصف بحياة الملايين من الشعب الراضخ تحت سلطة الفاسدين والمنتقمين والمستمتعين بمعاناة الناس، وهي ذاتها السلطة التي تعيش قلق الوجود وخوف الهزيمة ومصير الاجتثاث، إنهم يتخيلون هذا بكل ساعاتهم، يتخيلون الزمن القادم مع ويل المقاومين وعاقبة ما صنعت أيديهم لليمنيين، أيديهم الفاجرة والمجرمة والجبانة، وسيعلم المجرمون أي منقلب ينقلبون.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية