الدماء.. الوجبة الحوثية المفضلة
ما إن تلوح في الأفق رؤى السلام وإيقاف نزيف الدماء اليمنية، حتى يشعر السلاليون بحالة اكتئاب مزمنة، وتصيبهم نوبات هستيرية طارئة، كون جيناتهم تضطرب ويختل توازنها كلما خفت الموت وأخذ إجازة قصيرة، ولذا فهم يبتكرون منافذ جديدة وبدائل مغايرة تتكفل بديمومة إراقة الدماء وسقوط الضحايا كعقدة إدمان مستميتة لا مفر منها إلا بمزيد من الجثث وأكوام من الأبرياء وسحائب من الحزن والقتل والوحشية.
ما إن تنفس اليمنيون الصعداء، إبان إتمام صفقة تبادل الأسرى وما أثارته تلك اللحظات البهيجة حين تلقف الأهالي أسراهم ومختطَفيهم، ولم تكد تجف تلك المشاعر المتقدة؛ حتى صعق الشعب بجريمة مروعة تنهد لها الجبال وتدمى لها القلوب قبل الأعين، عشرات الضحايا من المعدمين والمنكسرين الذين أُزهقت أرواحهم وهم يتدفقون للفوز بخمسة آلاف ريال زكاة من إحدى البيوت التجارية، وهو العمل الذي حرصت المليشيات أن تغمس يدها فيه وتحويله إلى مأساة لم يستوعبها العالم ولم يدرك إمكانية حدوثها ولم يخطر في بال أحد أنها حدثت بالفعل، لكنها في زمن السلالة تحدث وكثير منها، ولا غرابة من ذلك طالما أن الدماء هي ما تقتات عليه الجماعة وتشعرها بالسكينة.
لم تتردد الحوثية في حشر الدماء واستدامة إراقتها في كل المناسبات والأوقات وفي لحظة الابتهاج أو الحزن، الأهم أن طاحونة الدم تضاعفت طاقتها ضد اليمنيين، ففي صبيحة العيد لقي أكثر من عشرة أشخاص حتفهم في طريق هيجة العبد الرابطة بين عدن وتعز بسبب الحصار الخانق على تعز، وليس هذا فحسب بل في ثاني أيام العيد تطلق السلالة قذيفة على منزل مواطن في موزع غرب تعز ليستشهد على إثرها ثلاثة وإصابة تسعة أثناء معايدتهم أقاربهم.
نهم دموي لدى هذه المليشيا، تؤكده هذه الأفعال المشينة التي طعنت خاصرة العيد واغتالت فرحته في نفوس اليمنيين وتعالت أصوات النواح ليس في محيط من وافتهم المنية، وإنما عم حزن عارم في نفسية كل يمني وجثم الأسى في الأعماق وتحولت أيام العيد إلى كابوس.
الغريب في هذا السياق الحوثي الدموي أن حالة التشبع الإجرامي لدى هذه الفئة القاتلة لم تصل بعد، ولم تحن لحظة الاستكفاف والتوقف عن ذلك السلوك العدائي، وكيف لذلك أن يحدث طالما أن إدمان الدم وضع لا يمكن السيطرة عليه، فالهوس هو سيد الموقف والمتحكم ببنية السلالة، وهذا الأمر يثير الشكوك ويشعل الهواجس ويقضم الآمال والطموحات التي تدفعنا إلى تجريب جنوح الحوثية للسلام ومصداقيتها في الرضوخ لهذا المطلب الإنساني والأخلاقي محلياً وإقليمياً ودولياً، ما يضاعف حيرتنا ويجعلنا في موقف الغباء، حين نرغب في الوصول إلى السلام والتوافق مع كائنات عدائية بالفطرة دموية المنطق والسلوك، كمن يرسم في الهواء.
كفى استخفافاً بدمائنا، كفى بعداً عن إدراك طبيعة وماهية خصم اليمنيين والفيروس المستأصل لأمنهم واستقرارهم.